• سياسة
    أبريل 01، 2018

    نوّاب لبنان قلّما يخصّصون الوقت للتشريع ومساءلة الحكومة

    • سامي عطالله
    نوّاب لبنان قلّما يخصّصون الوقت للتشريع ومساءلة الحكومة
    ضمن إطار عمل المركز اللبناني للدراسات في تقييم أداء مجلس النوّاب اللبناني وأداء أعضائه، يقوم المركز بنشر سلسلة من المقالات تتناول مجموعة من القضايا التي تعرقل العملية التشريعية. وتستند هذه المقالات إلى حد كبير إلى كتاب صدر عن المركز يشرح الأداء البرلماني، وهو من تأليف سامي عطاالله ونايلة جعجع.
     يعاين هذا المقال قدرة النوّاب على الاضطلاع بفاعليّة بعمليّة اتّخاذ القرارات من خلال المشاركة في الجلسات التشريعيّة والرقابيّة، بالإضافة إلى استعدادهم لبذل الجهود لصياغة القوانين الّتي تعالج  أولويات المواطنين وحاجاتهم.


    حتّى يتمكّن النواب من التشريع والرقابة على أداء الحكومة، يتعيّن عليهم على الأقلّ المشاركة في الجلسات النيابيّة واللجان البرلمانيّة الّتي يتمّ فيها مناقشة مشاريع القوانين، ودراستها، ومراجعتها. وعند التمعّن بأدائهم خلال السنوات التسع المنصرمة، يتبيّن لنا أنّ النوّاب قلّما بذلوا الجهود. وعلى الرغم من نسبة الحضور المرتفعة خلال الجلسات التشريعيّة، لم يشارك سوى جزء قليل من النوّاب في النقاشات. إلى ذلك، فالنوّاب أقلّ حرصًا على مساءلة الحكومة، فنسبة حضورهم في الجلسات الرقابيّة متدنّية. والمثير للاهتمام هو أنّ قادة الأحزاب غالبًا ما لا يحضرون الجلسات النيابيّة أو يشاركون فيها. وتندر اجتماعات اللجان، ويُعتبر تواتر اجتماعاتها متدنّيًا نظرًا للتحديات الّتي تواجه اللبنانيّين.

    ضمن إطار مشروع أوسع نطاقًا أطلقه المركز اللبناني للدراسات بشأن أداء مجلس النوّاب، عاينّا نسبة حضور 128 نائبًا ومشاركتهم خلال 24 جلسة تشريعيّة ورقابيّة بين حزيران 2009 ونيسان 2017، آخذين بعين الاعتبار أنّ قياس الأداء لا يجب أن ينحصر بحضور الجلسات والمشاركة فيها، بحيث يكتسي عدد مشاريع القوانين التي يقترحها النوّاب ومحتواها أهميّة أكبر بكثير. ولكن، بما أنّ مشاريع القوانين الوحيدة الّتي يمكن الوصول إليها هي تلك الّتي تخضع للمداولات، تُعتبر هذه البيانات مضلّلة، وقد استُبعدت بالتالي من قياس الأداء. وفي أيّ حال، فعند التمعّن في المداولات، تتمخّض البيانات عن نتائج مشوّقة.

    تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من أنّ معدّل الحضور الجماعي لمجمل النوّاب يبلغ 84%، فقد سجّلوا نسبة مشاركة في النقاشات وصلت إلى نحو 37%. وبعبارة أخرى، لا يسهم سوى ثلث النوّاب الحاضرين في الجلسات في النقاش. وإذ يُسمح للنوّاب التغيّب عن جلستين فقط من دون تبرير، فقد خرق خمسةٌ وثمانون منهم هذه القاعدة – أي أنّهم لم يقدّموا أيّ عذر – بدون أن يتعرّضوا لأي عواقب قانونيّة. وبشكل أكثر تحديدًا، سجلّ ستّة وخمسون نائبًا حتّى ثلاثة غيابات أكثر من الجلستين الّتي يسمح القانون الداخلي بالتغيّب عنهما، وذلك من دون عذر، بل إنّ أربعة عشر نائبًا لم يحضروا عشرة أو أكثر من أصل الجلسات الأربعة والعشرين، كما تغيّب نائب واحد عن تسعة عشر جلسة.

    وعند النظر عن كثب إلى الجلسات الرقابيّة، من المثير للاهتمام الإشارة إلى أنّ معدّل الحضور أدنى مقارنةً بالجلسات التشريعيّة، وأن البرلمان لم يعقد الجلسات الرقابيّة التسعة المطلوبة؛ بل اختار الاكتفاء بخمسة منها. فبحسب النظام الداخلي، يتعيّن على مجلس النوّاب أن يعقد جلسة رقابيّة مقابل كلّ ثلاث جلسات تشريعيّة. ولكن حتّى عندما عُقِدَت هذه الجلسات، فلم تتخطَّ كونها "شكليّة"، بحيث يطرح فيها النوّاب على الحكومة والوزراء بعض الأسئلة، ثمّ تقوم الحكومة بتجاهل استفساراتهم. وعلى الرغم من مزاعم الفساد، تبقى تهديدات النوّاب فارغة في ظلّ عدم اتّخاذ أي إجراءات متابعة.

    وباستخدام هذه البيانات، وضعنا مؤشرًا للأداء يقيس معدّل الحضور ونسب المشاركة. وسجّل النوّاب الـ128 معدّل 6 على 10. وترشح عن ذلك نتيجتان مهمّتان. أوّلاً، عند النظر إلى أداء كلّ من الكتل، نجد أنّ كتلة الوفاء للمقاومة بقيادة حزب الله سجّلت أعلى علامة بلغت 6،6، في حين كانت العلامة الدنيا البالغة 4،8 من نصيب اللقاء الديمقراطي بقيادة الحزب التقدّمي الاشتراكي. أمّا الفريقان اللّذان حقّقا أدنى تباين ضمن الكتلة نفسها – بمعنى أنّهما سجّلا أدنى فارق بين العلامتين العليا والدنيا، فهما حزب الكتائب وكتلة الوفاء للمقاومة. ثانيًا، وفي حين ينتمي مسجّلو أعلى العلامات إلى كتل مختلفة، فإن خمسة من أصحاب العلامات الخمسة عشر الدنيا هم من رؤساء الأحزاب: أي طلال إرسلان، وسعد الحريري، وسليمان فرنجيّة، وميشال عون، ووليد جنبلاط. ولكن حتّى عند حضورهم، فإنّ نسبة مشاركتهم تقارب الـ15% كمعدّل. يشير ذلك بأنّ النقاش بشأن القضايا المتّصلة بالسياسات لا يتمّ في البرلمان، بل هو نتيجة لصولات وجولات تجري في أماكن أخرى.

    وفي الحقيقة، لا يعتبر النوّاب أن دورهم الرئيسي يتمثّل بالتشريع أو بالرقابة على السلطة التنفيذيّة. فلمّا قابلنا خمسة وستّين نائبًا لفهم مواقفهم من السياسات على نحوٍ أفضل، سألناهم كيف يمضون وقتهم خلال ولايتهم. والواقع أنّ نحو 70% منهم أشاروا إلى أنّهم يقضون وقتهم في التواصل مع الناخبين، والتحدّث في الإعلام، والتفاعل مع الأحزاب الأخرى، في حين يخصّصون 30% فقط من وقتهم للتشريع ولمساءلة الحكومة.

    ولا يقتصر سوء أداء النوّاب على المشاركة في الجلسات العامّة، بل ينعكس أيضًا في عدد اجتماعات اللجان النيابيّة الّتي عُقِدَت خلال هذه المرحلة. وبناءً على البيانات المتاحة للجمهور والّتي تمّ جمعها بين 2010 و2014 من اللجان البرلمانيّة الستّة عشر الّتي يتمّ فيها دراسة مشاريع القوانين ومناقشتها، تبيّن أنّ اللجان قد اجتمعت 323 مرّة سنويًّا كمعدّل. ولكن، عند التمعّن في الأرقام، يتّضح أنّ النتيجة هي اجتماع ونصف شهريًّا لكلّ لجنة. وباستثناء لجنة الإدارة والعدل، يُعتبر تواتر التئام اللجان الأخرى مؤسفًا. فيُذكر أنّ لجنة البيئة مثلاً لم تجتمع سوى ستّ مرّات سنويًّا على الرغم من أزمة النفايات. أمّا أعضاء لجنة الإعلام والاتّصالات، فلم يجدوا داعيًا للاجتماع أكثر من ثلاث مرّات في السنة.

    ومن جديد، لا يبدو أنّ النوّاب يرقون إلى مستوى المهمّة المتمثّلة بالاضطلاع بأدوارهم التشريعيّة والرقابيّة. ولا شكّ أنّ الحضور والمشاركة ضروريّان لكنّهما غير كافيين للتشريع ومساءلة الحكومة، ما يعني أنّ العديد من النوّاب يقصّرون في تأدية واجباتهم الأساسيّة. ومن شأن تحرّك القواعد الناخبة أن يحفّز المشرّعين اللبنانيّين على إيلاء إهتمام أكبر بالقضايا الّتي تهمّ المواطنين، والعمل على التدقيق في أداء الحكومة من خلال ممارستهم للرقابة.  

    كجزء  من هذا المشروع، أنشأ المركز اللبناني للدراسات بوابة الكترونية توفر معلومات عن البرلمان والنواب الممثلين فيه، بما في ذلك معلومات عن مواقفهم السياسياتية وأداءهم كمشرّعين:
    www.niyabatanani.com
    كما يمكن الإطلاع على أداء البرلمان وأعضائه من خلال الرسوم البيانية المعدة لهذا الغرض:
    http://niyabatanani.com/pdf/Infographics.pdf

              
    سامي عطالله المدير التنفيذي السابق للمركز اللبناني للدراسات
اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية