-
طاقةمايو 19، 2022
المرصد الحكومي | قطاعُ الكهرباء المتعثّر في لبنان: ماذا جاءَ في أحدث خطّة حكومية للكهرباء؟
- علي طه
ما هي المشكلة المطروحة؟
أقرَّ مجلس الوزراء اللبناني خطّةً لإصلاح وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء المتعثّر في لبنان في 16 آذار 2022. يستند الاقتراح الجديد إلى "خطّة العمل الطارئة لقطاع الكهرباء في لبنان" التي وضعَها البنك الدولي وخطة توليد الكهرباء بأقلّ تكلفة" من شركة كهرباء فرنسا، إضافةً إلى الخطط السابقة التي أعدّتها وزارة الطاقة والمياه ويتعهَّد بتوفير 17 ساعة من التغذية يوميًا بحلول عام 2023. أبرز ما وردَ في الاقتراح: إنشاءُ هيئةٍ لتنظيم الكهرباء، وهو مَطلَبٌ لطالما دعا إليه البنك الدولي والجهات المانحة الغربية، وبناء محطّات توليد جديدة، وتنويع مزيج الطاقة نحو مصادر متجدّدة وميسورة الكلفة، واعتماد تعريفات تتناسب مع التكلفة.
وفي سياق الحديث عن الخطّة المُقترَحة التي من المُقرَّر أن تبدأ مع المرحلة الأولى من ثلاث مراحل في ربيع 2022، شدَّدَ وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض على أنَّها مسألة ذات طابع تقني ولا ينبغي أن تُشكِّل موضوعًا للجدل السياسي، وهو أمرٌ أفشلَ خطط الكهرباء السابقة برأي الكثيرين. وبحسب الوزير، فإنَّ المرحلة الثانية ستشمل التحوُّل إلى الغاز الطبيعي في محطّتَيْ دير عمار والزهراني، بدلًا من المازوت الأكثر كلفةً المُستخدَم حاليًا كما ستشهد إطلاق مناقصة لإنشاء وحدة للتخزين والتغويز في الزهراني. أمّا المرحلة الأخيرة من الخطّة فتتضمّن اعتماد الطاقة المتجدّدة بقدرة مركبة إجمالية تبلغ حوالي 1936 ميغاواط، بالإضافة إلى وقف تشغيل محطّة الذوق التي تُسجِّل تكاليف تشغيل مرتفعة وتُشكِّل مصدرًا خطيرًا لتلوّث الهواء في المنطقة المُجاورة.
تهدف الخطّة إلى إصلاح قطاع الكهرباء من خلال معالجة هذه المجالات الأساسية:
الإمداد وتوليد الطاقة: توفير الكهرباء بطريقة موثوقة وميسورة الكلفة.
النقل والتوزيع: تعزيز الفعّالية والشفافية في عمليات النقل والتوزيع.
الجانب المالي: تحسين الأداء المالي للقطاع عن طريق تصحيح التعريفات، والحدّ من الخسائر، وتعزيز الضمانات المالية للمستثمرين من القطاع الخاصّ.
الجانب المؤسّسي والتشريعي والتنظيمي: تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الهيكلية لنموذج التشغيل والرقابة في القطاع، من أجل جعله أكثر تحرُّرًا.
على المدى القريب (أقلّ من سنة)، تهدف الخطّة إلى توفير 8 إلى 10 ساعات من الكهرباء من خلال تأمين ما يلزم من محروقات أو غاز أو كهرباء عبر الاتّفاقات الثنائية والمتعدّدة الأطراف مع الأردن ومصر والعراق. يفترض أن يأتي تمويل هذه المرحلة من البنك الدولي. من المُتوقَّع أن تُوفِّر هذه الخطوة ما يَصِل إلى 600 ميغاواط، وبالتالي يصبح مجموع الإنتاج -بالإضافة إلى قدرة التوليد الحالية – بحدود 1100 ميغاواط. وتسعى الخطّة أيضًا إلى الحدّ من خسائر مؤسّسة كهرباء لبنان، وذلك عن طريق إزالة التوصيلات غير القانونية بالشبكة، وزيادة الفواتير والتحصيل، والاستثمار في شبكات التوزيع.
من الناحية المالية، ستبدأ مؤسّسة كهرباء لبنان بفهرسة تعريفاتها وفقًا للأسعار الدولية للمحروقات، بأقلّ كلفة للأُسَر ذات الدخل المحدود. وسيُنشئ المرفق الوطني أيضًا "آلية تدفُّق نقدي"[1] تكفل التوزيع العادل للإيرادات بين مختلف اللاعبين في السوق للحفاظ على استمرارية القطاع. وتدعو هذه المرحلة من الخطّة أيضًا إلى مراجعة شاملة للقانون 462 الذي يُنظِّم القطاع، وفقًا لأفضل الممارسات الدولية وبالتشاور مع المعنيّين بالقطاع ولكن من دون تحديد جوانب القانون التي ستخضع للمراجعة. على المستوى المؤسّسي، سيتمّ تعيين هيئة تنظيم قطاع الكهرباء التي طالَ انتظارُها للإشراف على القطاع وتنظيمه.
على المدى المتوسّط (سنة أو سنتان)، ستزداد التغذية الكهربائية حتّى 16-18 ساعة يوميًا، باستخدام البنية التحتية الحالية، من خلال التشغيل المؤقّت لوحدات التخزين والتغويز في معمل الزهراني[2]، ووحدات التوليد بالغاز في معمل دير عمار، بالإضافة إلى مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ستشهد هذه المرحلة بدء تشغيل مركز التحكُّم الوطني التابع لمؤسّسة كهرباء لبنان وتركيب بنية تحتية متطوّرة للقياس. وسيتمّ توظيف استثمارات إضافية في البنية التحتية الخاصّة بالنقل. تشمل الأهداف الأخرى على المدى المتوسّط: تشجيع مشاركة القطاع الخاصّ من خلال منح عقود التوزيع على أساس نموذج الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاصّ (PPP) وتعزيز الضمانات المالية. وسيتحقّق ذلك من خلال اعتماد منهجية شفّافة وسليمة لتحديد التعريفات، بالإضافة إلى زيادة التحصيل، وخصوصًا من الوزارات والدوائر الحكومية ومخيمات اللاجئين، من أجل خفض الخسائر من 12% إلى 4%.
على المدى الطويل (أكثر من 3 سنوات)، تَعِد الخطّة بتأمين 24 ساعة من التغذية الكهربائية. سيتحقّق ذلك من خلال إنشاء ثلاثة محطات توليد ذات دورة مُدمَجة تعمل بالغاز بقدرة إنتاجية تبلغ 825 ميغاواط لكل منها وزيادة حصّة مصادر الطاقة المتجدّدة لتَصِل إلى 30% من إجمالي مزيج الطاقة بحلول سنة 2030. تشمل الأهداف الأخرى على المدى البعيد: التشغيل الكامل للعدّادات الذكية، وإنشاء مُشغِّل نظام النقل[3]، إلى جانب الفصل القانوني الكامل لعمليات توليد الطاقة والنقل والتوزيع، من أجل خصخصة مؤسّسة كهرباء لبنان.
عند إقرارها، كان لدى العديد من خبراء الطاقة مآخذ على بعض عناصر الخطّة. على سبيل المثال تساءل البعض عن الحاجة إلى قسم من البنى التحتية التي تضمنتها الخطة، كنشر وحدات التغويز لكل من محطات الطاقة الثلاثة في الزهراني ودير عمار، وعلى الساحل الشمالي مع العمل أنه بالإمكان اعتماد وحدة تغويز واحدة وربطها بالمعامل الأخرى عبر خط أنابيب. علاوة على ذلك، فإن استخدام وحدات التوليد المؤقتة كان محل انتقاد نظرًا لسجل الوزارة في تبني حلول مؤقتة غير استراتيجية كما في حالة بواخر الطاقة التي تم التعاقد عليها في عام 2012. أما من الناحية المالية، فإن الخطة غامضة في ما يتعلق بمصادر التمويل المطلوبة لتنفيذها. أخيرًا، على الرغم من إدخال منهجية تسعير تعكس تكاليف الإنتاج، تعتمد الخطة على سعر صرف ثابت لليرة اللبنانية عند 20.000، وسعر ثابت قدره 80 دولارًا لبرميل النفط، وكلاهما من المتغيرات المتقلبة التي يمكن أن تهدد الاستدامة المالية للخطة ونجاحها.
لماذا هذا مهمّ؟
وفقًا لصندوق النقد الدولي، يُعتبَر إصلاح المؤسّسات المملوكة من الدولة وقطاع الطاقة تحديدًا، أحد الشروط المسبقة الخمسة الرئيسية للانتعاش الاقتصادي في لبنان. وتُشير تقديرات الصندوق إلى أنَّ الامتناع عن تنفيذ خطّة إصلاحية لقطاع الكهرباء سيؤدّي إلى خسائر شهرية تُناهِز 70 مليون دولار أميركي، وأكثر من 800 مليون دولار أميركي سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة، أصبحَ لبنان بحاجة إلى تدفق الأموال من الخارج أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. كما وأنَّ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبلدان المانحة قد اشترطوا دعمهم بالتزام لبنان إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة بنائه للحد من استنزاف الموارد العامّة.
الخلفية
منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان (1975-90)، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إعادة بناء البنية التحتية لإنتاج الطاقة في البلد أو تحفيز قطاع الطاقة المحلّي أو تطوير استراتيجية للطاقة المستدامة. ثمّ جاءت الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية لتزيد من تفاقم المشكلة، حيث أنَّ العملة الصعبة اللازمة لاستيراد إمدادات المحروقات تتضاءل بوتيرة سريعة.
المراجع
وزير الطاقة يُعلِن أنَّ مجلس الوزراء وافقَ على خطّة إصلاح الكهرباء. (2022، 16 آذار). لوريان توداي. https://today.lorientlejour.com/article/1293861/c Cabinet-meets-with-electricity-reform-plan-on-its-37-item-agenda.html.
كهرباء لبنان. (2022، شباط). وضع قطاع الكهرباء في لبنان على سكّة النموّ المستدام ماليًا.
أخبار أل بي سي آي لبنان. (2022، 20 شباط). وزير الطاقة فيّاض يكشف عبر أل بي سي آي عن تفاصيل إضافية حول خطّة الكهرباء. أل بي سي آي لبنان.
التدفُّق النقدي. (التاريخ غير مُحدَّد). النمذجة المالية. تمّ الاطّلاع عليه في 19 نيسان 2022، https://www.financialmodelingacademy.com/cash-waterfall
إكسون موبيل. (التاريخ غير مُحدَّد). وحدات التخزين والتغويز.
https://www.exxonmobillng.com/-/media/project/wep/exxonmobil-lng/lng-us/pdf/110-fsru.pdf
الشركات الأعضاء في ENTSO-E. (التاريخ غير مُحدَّد ). Entsoe.Eu. تمّ الاطّلاع عليه في 19 نيسان 2022، عبر الرابط التالي: https://www.entsoe.eu/about/inside-entsoe/members/
. أيوب، م (٢١ آذار، ٢٠٢٢) خطّة الكهرباء بنسختها الثالثة: تذاكٍ وغموض مقصود. الأخبار \
https://al-akhbar.com/Issues/333305
[1] تُشير "آلية التدفُّق النقدي" إلى توزيع الإيرادات من بيع الكهرباء بشكل متناسب بين مختلف اللاعبين في السوق في قطاع الطاقة، بحيث يأتي كلّ عنصر من عناصر التدفُّق النقدي بالأقدمية الصحيحة نسبةً إلى العناصر الأخرى. يمكن ترتيب هذه العناصر على الشكل التالي: تكاليف التشغيل، نفقات رأس المال، خدمة الدَيْن، ضريبة الشركات، الأسهم الممتازة، الأسهم العادية.
[2] وحدات التخزين والتغويز عبارة عن سُفُن متعدّدة الوظائف، تجمع بين تخزين الغاز الطبيعي المُسال وأنظمة التغويز المُدمَجة على متن سفينة أو بارجة. تتلقّى وحدات التخزين والتغويز الغاز الطبيعي المُسال مباشرةً من السُفُن التقليدية والكبيرة، ويتمّ تخزينه في خزّانات معزولة -ويمكنها تحويل الغاز الطبيعي المُسال مجدّدًا إلى غاز طبيعي عند الحاجة.
[3] مُشغِّل نظام النقل هو كيان تُعهَد إليه، على المستوى الوطني أو المحلي، مهمّة نقل الطاقة الكهربائية على الشبكات الكهربائية الرئيسية ذات الجهد العالي.
علي طهباحث سياسي في المركز اللبناني للدراسات. تتركز أبحاثه في مجالات السياسة العامة والحوكمة والمشاركة السياسية والطاقة. وهو يشارك أيضًا في كتابة مرصد الحكومة، وتنظيم سلسلة من حلقات الحوار عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الإشراف على متتبع التشريعات، وهي أداة تفاعلية عبر الإنترنت تتيح للمستخدمين استكشاف بيانات مختلفة حول أجندة السياسات والتشريعات. قبل عمله في المركز اللبناني للدراسات، عمل علي كمدير للبرامج في منظمة وفود من أجل الحوار، ولمدة ثلاث سنوات شارك في تسهيل البحث في مناطق الصراع والبلدان المضطربة. حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أمستردام في تخصص سياسات الطاقة، وبكالوريوس في العلوم السياسية / الشؤون الدولية من الجامعة اللبنانية الأمريكية.