-
حوكمةسبتمبر 04، 2024
الأولويات التشريعية في لبنان: خُلاصات من "مرصد التشريعات"
- بيار بطرس
اُنجز هذا المقال بدعم من المعهد الديمقراطي الوطني (NDI) . الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.
يزداد عدد المهتمّين بالشأن العام والباحثين عن سُبُل لفهم العوامل التي تُشكِّل بيئتهم السياسية. ولكنَّ ذلك قد يكونُ صعبًا إذا لم تتوفّر لهم البيانات الصحيحة والمناسبة. وعلى الرغم من أنَّ "قانون حقّ الوصول إلى المعلومات" الذي صدرَ في عام 2017 ساعدَ في زيادة الوصول إلى المعلومات، لا يزال من الصعب فهم المسائل التي يُركِّز عليها صنّاع السياسات في لبنان عمومًا.
يُعتبَر ذلك مسألةً مهمّة للغاية في بلدٍ ديمقراطي مثل لبنان، حيث تبرز الحاجة إلى الوصول الشفّاف إلى البيانات التشريعية لتعزيز المساءلة ورفع مستوى الثقة في الحكومة. وإدراكًا لهذه الحاجة، أطلقَ المركز اللبناني للدراسات "مرصد التشريعات"، وهي أداة إلكترونية تجمع البيانات التشريعية والقرارات الحكومية الرئيسية وتعرضها في منصّةٍ واحدة. تُقدِّم هذه المقالة لمحة عامّة عن "مرصد التشريعات"، وتوضِح وظائفه، وتشرح أهمّيته من خلال إلقاء الضوء على نتائج وأرقام رئيسية مُستخلَصة من أداءِ عددٍ من الحكومات المتعاقبة.
فوائد المرصد
صُمِّمَ "مرصد التشريعات" لتزويد صنّاع القرار والباحثين والصحافيين وطلّاب الجامعات وعامّة الناس بالبيانات اللازمة للتدقيق في عمليات صنع السياسات وتحليلها. وهو يُوفِّر وسيلةً منهجية وتفاعلية للاطّلاع على القرارات الحكومية وتفسيرها. ومن خلال تحديد أنماط معيّنة في صنع السياسات، مثل وتيرة القرارات ونوعها، يمكن استنتاج خُلاصات حول الأولويات التي تُركِّز عليها الحكومات.
كذلك، يسمح "مرصد التشريعات" للمُستخدِمين بطرح أسئلة بحثية جوهرية واستكشافها. على سبيل المثال، لماذا تُعطى الأولوية لبعض القضايا السياساتية على حساب قضايا أخرى ضمن برامج الحكومة؟ ويُتيح المرصد تحليل سلوك الحكومة، مثل الميل إلى معالجة المشكلات الأقلّ خطورةً، في حين تبقى القضايا الأكثر أهميةً من دون معالجة.
فوائد "مرصد التشريعات" متعدّدة. أوّلًا، يُصنِّف القرارات الحكومية ضمن فئات محدّدة، ما يُسهِّل العثور على الوثائق. ثانيًا، يمكن أن يستفيد المُستخدِمون من هذا المرصد لإنشاء عروض بيانية سهلة القراءة، مثل الرسوم البيانية والمخطّطات التي تُبيِّن الاتّجاهات السائدة في مختلف الإدارات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، يُساعِد المرصد في زيادة الشفافية إذ يسمح للمُستخدِمين بمحاسبة المسؤولين.
مصدر البيانات
يستعين "مرصد التشريعات" بالبيانات الواردة في الجريدة الرسمية للبنان، وهي الجريدة الرسمية للحكومة التي تُنشَر فيها القرارات والنصوص التشريعية. وبما أنَّ البيانات يجب أن تُنشَر لكي تدخل حيّز التنفيذ وتُصبح مُلزِمة قانونًا، فإنَّ ذلك يضمن أنَّ البيانات التي يستخدمها المرصد هي بيانات رسمية ومُحدَّثة.
كيفية تصنيف البيانات في المرصد
بعد تحميل البيانات، يقوم المركز اللبناني للدراسات بتحليل النصوص التشريعية وتصنيفها[1]، وفقًا لثلاثة أبعاد لصنع السياسات: مجال السياسات، وطبيعة النصوص التشريعية، والوظيفة الإدارية.
مجال السياسات
"مجال السياسات" هو موضوعٌ معيّن أو فئة محدّدة يتناولها نصٌّ تشريعي أو قرارٌ حكومي، مثل العمل أو الصحّة أو التعليم. يُصنِّف المركز اللبناني للدراسات مجالات السياسات باستخدام منهجية "مشروع برنامج المقارنة" (CAP)[2]، وهو نظام ترميز يُوفِّر مرجعًا ترميزيًا شاملًا ومتاحًا للجمهور. تُصنَّف فيه مواضيع السياسات ضمن 21 فئة رئيسية[3] و220 موضوعًا فرعيًا، ما يضمن تصنيف كلّ نصّ تشريعي بشكل منهجي ضمن موضوع رئيسي واحد وموضوع فرعي واحد.
طبيعة النصوص التشريعية
طبيعة النصّ التشريعي تُحدِّد الغرض الأساسي منه، وهي منهجية تصنيف طوّرَها المركز اللبناني للدراسات. تُصنَّف النصوص بحسب ما إذا كانت تُنظِّم أو تُدير العمليات الحكومية، أو تُضفي الطابع الرسمي على الاتّفاقات مع الأطراف الخارجية. في ما يلي شرحٌ أكثر تحديدًا لأنواع التشريعات:
- التشريعات التنظيمية تُحدِّد أو تُعدِّل القواعد التي تنطبق على مجموعات أو مؤسّسات محدّدة، مثل تنظيم الواردات، أو إقرار الموازنات الوطنية، أو تغيير المناهج التعليمية.
- التشريعات الإدارية تُطبِّق القواعد السارية على مجموعات أو مؤسّسات محدّدة، مثل مَنْح الجنسية، أو تعيين الموظّفين، أو الموافقة على الأشغال العامّة.
- الاتّفاقات الدولية هي نصوص تشريعية تُضفي طابعًا رسميًا على الترتيبات المُبرَمة مع هيئات من بلدان أخرى، مثل الاتّفاقات التجارية.
الوظيفة الإدارية
لكلِّ تشريعٍ مُصنَّف ضمن الفئة الإدارية، يُحدِّد المركز اللبناني للدراسات وظيفةً معيّنة، وهو نهجٌ طوَّرَه المركز أيضًا. تشمل هذه الوظائف مهامًا متعدِّدة، مثل إصدار التراخيص والطوابع أو تعيين الموظّفين الحكوميين. وحدَّدَ المركز اللبناني للدراسات 38 وظيفة فريدة تؤدّيها هذه النصوص التشريعية. أمّا التشريعات المُصنَّفة ضمن الفئة التنظيمية، فلا تقتصر على وظيفة واحدة.
عرض النتائج
في "مرصد التشريعات"، يُحدَّد كلّ بند - تشريع أو مرسوم أو قرار - من خلال 17 مُتغيِّرًا مختلفًا[4] منشورًا في الجريدة الرسمية. يمكن الاطّلاع على النصّ الكامل لكلّ بند من خلال المرصد، كما يمكن ترجمته بسهولة إلى اللغة الإنجليزية. ويمكن للمُستخدِمين البدء بأبحاث بسيطة وعامّة، مثل مقارنة طبيعة التشريعات بين الحكومات المختلفة.
مقارنة التشريعات
في الرسم 1، نُقارِن بين سبع حكومات[5] خلال فترة تُقارِب 15 عامًا. ويَتبيَّن أنَّ جميع الحكومات حافظت على نسبة ثابتة من القرارات التنظيمية، تتراوح بين 10 و14%. ولكنَّ هذه النسبة ارتفعت في عهد حكومة حسّان دياب إلى 23%. تترافق هذه الزيادة مع الفترة التي أعقبت احتجاجات تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، عندما طالبَ المواطنون بالإصلاحات وأصبحوا يولون اهتمامًا أكبر لقرارات الحكومة.[6]
الرسم 1: مقارنة طبيعة التشريعات بين الحكومات السبع
مقارنة مجالات السياسات
يمكن للمُستخدِمين أيضًا مقارنة مجالات السياسات بين الحكومات المختلفة. يوضح الرسم 2 كيف تختلف سبعة مجالات سياساتية، تمّ اختيارها من مجموعة أكبر من الفئات، بين الحكومات السبع. ويبرز اتّجاهٌ مشترك بين جميع الحكومات، وهو أنَّ المجالات السياساتية الثلاثة الأولى هي تلك التي تندرج ضمن فئات الاقتصاد الكلّي، والعمليات الحكومية، والتجارة المحلّية.[7] ويبقى هذا الاتّجاه قائمًا حتّى إذا نظرنا إلى المجموعة الكاملة للمجالات السياساتية. وأحد الاستثناءات هو الحكومة الثالثة لسعد الحريري في عام 2019، حيث تبرز حصّة ملحوظة مرتبطة بقضايا المُواطَنة والتجنيس، وقد بلغت نسبتها 21 في المئة.
الرسم 2: مقارنة سبعة مجالات سياساتية للتشريعات بين الحكومات السبع
النظر إلى أداء حكومة واحدة
يمكن للمُستخدِمين أيضًا أن ينظروا بالتفصيل إلى أداء حكومة واحدة بدلًا من المقارنة بين حكومات متعدّدة. على سبيل المثال، يوضح الرسم 3 أنَّه قبل أيّام قليلة من استقالة الحكومة الثالثة برئاسة سعد الحريري في 29 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، لوحِظت زيادة كبيرة في التراخيص الصادرة للمؤسّسات. وهذا الاتّجاه يختلف عن السلوك الذي لوحظ لدى الحكومات التي سبقت تلك الحكومة.
الرسم 3: زيادة ملحوظة في إصدار التراخيص قبل استقالة سعد الحريري
"مرصد التشريعات" هو أداة بحثية بالغة الأهمية لتقييم أداء الحكومة. فهو يسمح لمُستخدِميه بمساءلة صنّاع السياسات ويدعم الجهات الفاعلة في الدعوة إلى الإصلاحات وزيادة الشفافية. ومن خلال توفير هذا الوصول الواسع إلى البيانات التشريعية، يسعى "مرصد التشريعات" إلى إرساء حكومة أكثر تجاوُبًا ومساءلةً في لبنان.
يمكن الاطّلاع على "مرصد التشريعات" من خلال الموقع الإلكتروني للمركز اللبناني للدراسات، وهو يتضمّن حاليًا أكثر من 30000 بند، وتُضاف إليه بياناتٌ جديدة يوميًا. ويُرحِّب المركز اللبناني للدراسات بملاحظاتكم وتعليقاتكم عبر عنوان البريد الإلكتروني التالي: info@lcps-lebanon.org لتحسين وظائف المرصد وتعزيز موثوقيته والارتقاء بالإمكانات التي يُتيحها لمُستخدِميه عمومًا.
المراجع:
[1] في الوقت الحالي، يعمل المركز اللبناني للدراسات على ترميز التشريعات والمراسيم والقرارات. وفي الإصدارات اللاحقة، يُخطِّط المركز لتوسيع نطاق الترميز ليشمل أنواعًا أخرى من المستندات، مثل التعاميم والمذكرات.
[2] "مشروع برنامج المقارنة" هو خُلاصة لأكثر من 20 عامًا من التعاون العلمي غير الرسمي، مع حضورٍ شبكيّ وموارد بيانية تمّ إنشاؤها منذ عام 2016. يتناول هذا المشروع مجموعة واسعة من البلدان ويلتزم بمعايير دقيقة لبرامج السياسات. أمّا الابتكار الأساسي في نظام الترميز فهو تصوُّره الواسع لمجالات التركيز الحكومية، وتقسيم الشواغل السياساتية إلى عشرات المواضيع الرئيسية.
[3] أضافَ المركز اللبناني للدراسات مجالَيْن: المُواطَنة والتجنيس. يمكن العثور على المزيد من التفاصيل عبر الرابط التالي: https://api.lcps-lebanon.org/content/uploads/files//Legislation-Tracker-Codebook-V6.pdf.
[4] تشمل هذه المتغيّرات، على سبيل المثال لا الحصر، نوع النصّ التشريعي، وعنوانه ومحتواه باللغتَيْن العربية والإنجليزية، وتاريخ التوقيع، واسم الشخص المُوقِّع وشهرته.
[5] الحكومات المشمولة هي حكومة سعد الحريري الأولى في عام 2009، وحكومة نجيب ميقاتي الثانية، وحكومة تمام سلام، والحكومتان الثانية والثالثة برئاسة سعد الحريري، وحكومة حسّان دياب، والحكومة الثالثة برئاسة نجيب ميقاتي في عام 2024.
[6] لمزيدٍ من التفاصيل حول ثورة 17 تشرين الأوّل/أكتوبر في لبنان، يُرجى مراجعة الرابط التالي: https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-031-15135-4_4
بيار بطرسبيار بطرس طالب دكتوراه في علوم الاقتصاد في “GREDEG”، وهو مركز أبحاث تابع لجامعة "كوت دازور" في فرنسا. وإلى جانب دراساته العليا، يعمل كباحث مُشارِك في المركز اللبناني للدراسات. نالَ بيار درجة الماجستير في الاقتصاد التطبيقي من الجامعة اللبنانية الأميركية، ودرجة البكالوريوس في الهندسة المالية من جامعة الحكمة.