• شؤون اجتماعية
    أكتوبر 11، 2023

    أزمة المدارس الرسمية: مقابلة مع ريما بحوث

    • ريما بحوث
    أزمة المدارس الرسمية: مقابلة مع ريما بحوث
    المصدر: جوزيف عيد - وكالة فرانس برس

    في ضوء الأزمة التي تمر بها المدارس الرسمية اللبنانية، طرحَ "المركز اللبناني للدراسات" سلسلةً من الأسئلة على الخبيرة التربوية ريما بحوث للوقوف على رأيها حول العوامل التي تُعيق العام الدراسي والخطوات الواجب اتّخاذها للحدّ من التدهور الخطير في قطاع التعليم الرسمي في لبنان.

    بدأ العام الدراسي، لكنّ المدارس الرسمية لم تفتح أبوابها بعد في مختلف المناطق اللبنانية. ما الذي يُسبّب هذا التأخير؟

     

    سأبدأ بالقول إنَّ الوقت قد حان لفصل قطاع التربية عن السياسة. لنترك المواضيع التربوية للخبراء التربويين، والمواضيع السياسية للسياسيين. فتدخُّل أصحاب النفوذ في قطاع التربية يؤثّر على نظام التعليم في لبنان. وللأسف، تؤثّر بعض هذه التدخلات سلبًا على نظام التعليم ككلّ. يجب تعيين الإداريين والمعلّمين والموظفين في المدارس الرسمية بناءً على المؤهلات والخبرة حصرًا، بعيدًا عن أيّ معايير أخرى.

     

    في المدارس الرسمية، تكمُن المشكلة الأساسية في التمويل. كانَ من المُفترض أن تفتح المدارس الرسمية أبوابها في شهر أيلول/سبتمبر، إنّما تمّ تأجيل إطلاق العام الدراسي بسبب تحديات كثيرة، أبرزها نقص التمويل. الموعد الذي حُدِّد لفتح المدارس الرسمية هو 9 تشرين الأول/أكتوبر. ولكن، في حال لم تتوفّر الأموال اللازمة لدفع رواتب المعلمين، من المرجح أن يذهب المعلّمون، مهما كانوا متفانين في رسالتهم، إلى خيار الإضراب.

     

    في اجتماعٍ عُقِدَ مؤخرًا في البرلمان، عرضَ المسؤولون في وزارة التربية والتعليم العالي قائمةً طويلة بالعقبات التي تَحول دون فتح المدارس الرسمية، بما في ذلك نقص الكتب، وتغيُّب المعلّمين أو انتقالهم إلى المدارس الخاصة، وانتقال طلاب المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة بأعداد كبيرة، وتداعي المباني المدرسية بسبب مشاكل الصيانة. هل يمكنكِ أن تشرحي لنا المزيد حول هذه المسائل؟

     

    كل هذه العقبات ناتجة عن نقص التمويل.

    لنتناول هذه المسائل الواحدة تلو الأخرى:

    النقص في الكتب: علمتُ أنَّ جميع الكتب المدرسية ستكون متاحة بشكل ملفات pdf (أي يمكن تنزيلها وطباعتها). وحقوق الطبع والنشر عائدة إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء. بالتالي، لا مشاكل متعلّقة بحقوق الطبع والنشر، وهذا يُسهِّل الأمور نوعًا ما.

    تغيُّب المعلّمين أو انتقالهم إلى مدارس خاصة: هل يمكن أن نلومهم؟ ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. ولا قيمة للرواتب، على الرغم من تعديلها مؤخرًا لتصل إلى 7 أضعاف الراتب الشهري الأساسي. كانَ بعض المعلّمين ذوي الخبرة يتقاضون راتبًا يصل إلى 1.8 مليون ليرة لبنانية قبل زيادة الراتب. أما المعلّمون في المدارس الخاصة فيتقاضون رواتبهم بالدولار والليرة اللبنانية (لكل مدرسة خاصة خصوصيّتها طبعًا، لكنّني أعلم أنّ معلمي المدارس في بيروت الكبرى يتقاضون أجورًا أعلى من أجور المعلّمين خارج العاصمة).

    انتقال الطلاب بأعداد كبيرة من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة: هذا ليس بالأمر الجديد. إذا راجعْنا تاريخ قطاع التعليم في لبنان، يتبيّن أنَّ الأهل يُفضّلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة إذا كانوا قادرين على دفع الأقساط. فمنذ إنشاء المدارس الرسمية في لبنان، وُصِفَت بـ "مدارس الفقراء". وللأسف، لا تُوفِّر جميع المدارس الخاصة تعليمًا جيدًا.

    المباني المدرسية المتداعية بسبب مشاكل الصيانة: برأيي، حانَ الوقت لإغلاق هذه المدارس. لماذا نحتاج إلى مدارس رسمية متعدّدة في مدينة واحدة أو في كل قرية؟ نتحدّث عن التماسك الاجتماعي، لكنّنا لا نقوم بأي خطوة في هذا الاتّجاه. يجب إغلاق المدارس التي تحتاج إلى إصلاحات كبيرة، وتلك الموجودة في مبانٍ مُستأجرة، والتي فيها عددٌ قليل من الطلاب. ويجب الاحتفاظ بالمدارس غير المستأجرة والتي لا تحتاج إلى إصلاحات كبيرة، والاستثمار في حافلات صغيرة لنقل التلاميذ من قرية إلى أخرى، والحرص على أن يلتحق الأولاد من مختلف القرى بمدرسةٍ واحدة.

     

    يرى البعض أنَّ السبب الجذري للأزمة يعود إلى تدهور جودة التعليم في المدارس الرسمية، ولن يتمكّن أيّ تمويل، مهما بلغ حجمه، من إعادة إحياء نظام المدارس الرسمية ما لم تُعالَج هذه المشكلة. هل توافقين؟


    التمويل مهمّ. ولكنْ، هناك أمور كثيرة تدور خلف الكواليس ولا يعلم بها الرأي العام. وللأسف، غالبًا ما ننظر إلى المشكلة من جانب واحد، ونتسرّع في إطلاق استنتاجاتنا الخاصة، وننتقد من دون جدوى. فنحن لا نفكّر في حجم العمل والجهد الذي يبذله الآخرون لتدريب المعلّمين وتأمين تعليم أفضل للجميع. ربما يجب لمرّة واحدة أن ننظر في جميع المبادرات التي يتم تنفيذها وإبلاغ الجهات المعنيّة بكلّ واحدة منها.

     

    سأتوسّع قليلاً في هذه النقطة. تشمل بعض المبادرات ما يلي: تدريب معلّمي المدارس الرسمية، وتطوير المناهج الدراسية، وورش العمل للمدربين ومدرّبي المدربين، وتطوير المواد التعليمية، ومراجعة الكتب والقصص والموافقة عليها لاستخدامها في المدارس الرسمية. لقد تولّى الموظّفون/المُدرِّبون في المركز التربوي للبحوث والإنماء تنفيذ معظم هذه المبادرات. ويتم بالطبع توفير التمويل من قِبل جهات كثيرة. سأكتفي بذِكر تلك التي أعرفها. لذلك، إنَّ قائمتي ليست كاملة: البنك الدولي، واليونيسيف، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والوكالة الجامعية للفرنكوفونية، والمعهد الفرنسي، ومشروع "كتابي"، على سبيل المثال لا الحصر.

     

    في العام الماضي، عانت المدارس الرسمية أيضًا لتُبقي أبوابها مفتوحة وبالكاد نجحت في ذلك. ووفقًا لبعض الدراسات التي أُجريت مؤخّرًا، يتراجع مستوى طلّاب المدارس الرسمية في كافة المهارات. ما تأثير ذلك في البلد على المدى البعيد، وهل يمكن تعويضه بعامٍ دراسي أطول لتعويض الوقت الضائع، كما يقترح البعض؟

     

    لقد أثّرت الأزمة الاقتصادية على الجميع. فكيف نتوقّع أن تبقى أبواب المدارس الرسمية مفتوحة في حين يتقاضى المعلّمون أجورًا زهيدة؟

     

    للأسف، أثّرَ ذلك بشكلٍ سلبي على جودة التعليم المقدّم للطلّاب. هناك حتمًا "فاقد تعليمي" معيّن، ويجب معالجة الموضوع. لقد أُجريت دراسات حول هذا الموضوع، ولكن للأسف، لم تُنشَر البيانات بعد.

     

    عملية تدريب معلّمي المدارس الرسمية مستمرّة. يقوم كلّ من الجهات المانحة والمنظّمات غير الحكومية والموظفين/المُدرِّبين في المركز التربوي للبحوث والإنماء، من بين آخرين، بتوفير التدريب للمعلّمين. ويتم تدريبهم للتحقّق ممّا يعرفه المتعلّمون أساسًا، واستخدام الاختبارات التشخيصية (الرسمية وغير الرسمية)، وتقديم الأساليب التصحيحية، وتحليل النتائج وفقًا لذلك.

     

    كما ذكرتُ سابقًا، ثمّة الكثير من المبادرات، وبعضها ناجح. لذلك، ربما ينبغي أن ننظر إلى تأثيرها على عملية التعليم/التعلّم.

     

    هل يمكن تعويض الوقت الضائع من خلال عام دراسي أطول؟ لا أظنّ ذلك. هل المدارس مزوّدة بالتهوئة والتكييف الجيّدَيْن؟ هل المعلّمون على استعدادٍ للتدريس في شهر تموز/يوليو؟ ربما ينبغي أن نُعيد التفكير في هيكل العام الدراسي والعودة إلى أيام الدراسة الأطول.

     

    ما نوع الحلول القصيرة المدى التي تقترحينها لإنقاذ العام الدراسي الحالي، وما هي توصياتك على المدى البعيد لنظام المدارس الرسمية في السنوات المقبلة، وخصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة؟

     

    التمويل أمر مهمّ. يجب أن تسعى الحكومة إلى الحصول على تمويل خاص.

     

    الحلول على المدى القريب: توفير التطوير المهني العملي للمعلّمين الحاليّين لمساعدتهم على التعامل مع "الفاقد التعليمي" (وكذلك متابعة التدريب)؛ وإطلاق برامج الإلمام بالقراءة والكتابة ومعرفة الحساب من أجل معالجة "الفاقد التعليمي"؛ والعمل مع المنظّمات غير الحكومية والطلب من المتطوّعين قضاء بعض الوقت في المدرسة مع الأطفال/المتعلّمين بهدف تعزيز ما اكتسبه الطلّاب خلال ساعات الدراسة، إنما من خلال أسلوب المرح واللعب. ولكن، من أجل الحفاظ على المعلّمين وضمان رفاههم، ينبغي لوزارة التربية والتعليم العالي أن تقدّم حوافز للمعلّمين المستعدّين لحضور التدريب وتطبيق النُهج الجديدة في حصصهم.

     

    الحلول على المدى البعيد: إعادة هيكلة نظام التعليم وإعادة النظر في المناهج الدراسية - يجب أن يخضع مديرو المدارس والمنسّقون والمعلّمون والعاملون في المدارس للمساءلة، وينبغي أن يضعوا التطوير المهني المستمر كأحد أهدافهم لتوفير أفضل تعليم للمتعلّمين. ويتوجّب عليهم استخدام طرائق تدريس مختلفة ومتنوعة للوصول إلى كلّ طالب في صفّهم من دون استثناء؛ واستعمال أساليب التعلّم التفاعلي والخروج عن أسلوب التلقين (بالمناسبة، يجري تدريبهم على ذلك)؛ ويجب على المعلّمين استخدام تقنيات تقييم مختلفة (بحيث لا تكون محصورة بالاختبارات الموحّدة بالقلم والورقة).

     

    لنتوقّف عن النقد السلبي ولننظر إلى المبادرات الجارية ونبحث عن سُبُل للبناء عليها وتطويرها (وهنا، يلعب الإعلام دورًا كبيرًا).

    ريما بحوث

    هي أستاذة مُشارِكة في مجال التربية في الجامعة اللبنانية الأميركية. لديها أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريس على مستوى التعليم العالي، ولها منشورات كثيرة في مجال التعليم. 

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية