• شؤون اجتماعية
    أبريل 17، 2024

    اللاجئون السوريون في لبنان: أزمة عودة

    • كارلوس نفّاع
    اللاجئون السوريون في لبنان: أزمة عودة
    المصدر: خالد عكاشة - موقع بيكسلز

    هذا المقال مستوحى من كتابه "بين الدمج والعودة" الذي صدر حديثًا في المهرجان اللبناني للكتاب في دورته 41، للحركة الثقافية انطلياس. 

     

    يغرق لبنان في أزمات عديدة، اقتصادية وسياسية وأمنية، يُضاف إليها أكبر أزمة لجوء شهدها التاريخ المعاصر. فبعد السنوات الثلاثة عشر على بدء الحرب في سوريا، ما زال لبنان البلد الأعلى كثافة باللّاجئين في العالم بشهادة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية (UNHCR, 2024).

     

    فقد بلغ عدد المسجّلين لدى المفوضيّة السّامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين في لبنان، نهاية عام 2023، حوالي 784,884 لاجئًا سوريًّا، وهو انخفاض قدره  515116 ، أي 39.6% منذ نهاية عام 2015  حين بلغ عدد المسجلين 1.3 مليون  (UNHCR, 2022) . فتَعاظُم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب في سوريا ومأساة الزلزال المدمر الذي أصاب جزءًا منها، شكلت عوامل ضغط أدت إلى تَدفُّق المزيد من المواطنيين السوريين إلى لبنان عبر المعابر البرية الغير شرعية، كما وقرار الحكومة اللبنانية سنة 2015 الذي طلب من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بوقف تسجيل الوافدين الجدد شكل عائقًا حدّ من القدرة على إحصاء أعداد اللّاجئين لأسباب أمنية أو سياسية ما زال الكثير منها قائمًا، وتمييزهم عن المهاجرين الاقتصاديين الّذين  يملكون حريّة التّنقل بين البلدين ويقومون بالأعمال التجارية في لبنان في السوق النظامي والانظامي.

     

    ما يطرح اشكالية الأرقام التي يتمّ تداولها وآخرها  تلك الواردة في نتائج التقييم التشاركي 2023 - 2024 (UNHCR, 2024) الصادر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتي استندت على تقديرات حكومية سنة 2022 تقدر عدد اللاجئين السوريين بمليون ونصف، في حين تجنبت اعتماد الأرقام التي صرح بها مدير عام الأمن العام بالوكالة، اللواء إلياس البيسري في تشرين الأول من العام 2023، حيث أعلن أن العدد التقديري للنازحين السوريين في لبنان مليونين ومئة ألف، أي ما يشكل 43 في المائة من عدد المقيمين  (Elnashra, 2023)، وتبعها مؤخرًا اعلان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي  والذي جاء فيه أنّ  300 ألف سوري من أصل مليوني "لاجئ" لديهم إقامة و800 ألف منهم فقط مسجلون لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين  (lebanonfiles, 2024). ما يظهر عدم وجود أرقام علمية دقيقة متفق عليها تساهم في صناعة السياسات والقرارات التنفيذية بناء على الواقع الصحيح.

     

     تحديات العودة

    يواجه اللاجئون السوريون الذين يفكرون في العودة تحديات متعددة الأبعاد، ولا تقتصر على البُعد الأمني المعقد وتعدد المرجعيات الأمنية والقوى العسكرية على الأرض في سوريا، بل ترتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

     

    لم يقتصر الدمار الذي خلفته سنوات الحرب التي طالت كل المحافظات السورية، على البنية التحتية من مياه وكهرباء ومساكن، وعلى نقص حاد في الخدمات الأساسية الطبية والتربوية، حيث دمر ما يقارب 7 آلاف مدرسة. ما حرم حوالي مليوني طفل من التعليم (UNICEF, 2024) ، وترك نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل أو جزئي، (MEMO, 2018)  بل مزق النسيج الاجتماعي السوري وأشعل الانقسامات الطائفية وترك جراحًا عميقة في القرى والمدن، تحول دون القدرة على عودة اللاجئين بغياب برنامج مصالحة وعلاج اجتماعي انساني وطني عادل كواحد من أهم المداميك لمقاربة الأزمات الناتجة عن هذه التراجيدية الانسانية، وإحداها قضية عودة اللاجئين.

     

    أمام صعوبة العودة إلى سوريا إقتصاديًا واجتماعيًا، ومع تبعات انفجار مرفأ بيروت، وهو من أكبر الانفجارات غير النووية التي سُجِّلت على الإطلاق، والأزمة الاقتصادية والمالية التي تُصنّف ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، (ELZIR, 2021)  ومع عيش ما يقدر بنحو 80% من اللبنانيين في الفقر والحاجة، و36% تحت خط الفقر المدقع، ومع عدم تمكن 90% من اللاجئين السوريين من تغطية احتياجاتهم الأساسية (Negotiations, 2023) ، وغياب النيّة الدولية الجديّة لإعادة توطين اللاجئين المسجلين في لبنان لدى المفوضيّة، والتي ظهرت في إعادة توطين 7490 لاجئًا سوريًا فقط مقيمًا في لبنان في العام 2022 من قبل المفوضية (AMNESTY,2023) ، جنح السياسيون اللبنانيون نحو الشعبوية والتحريض وتحميل اللاجئين مسؤولية انهيار الاقتصاد والبنى التحتية، وانطلقت الحملات الاعلامية التي تحزّر من خطر اللاجئين السوريين على وجود لبنان بذاته، فأصبح اللاجئون السوريون مادة للتداول الشعبوي ذات وتيرة تحريض تصاعدية من قبل السياسيين، يتناولونها من أبواب عدة، أهمها منافسة السوريين للبنانيين على فرص العمل أو من استهلاكهم للبنى التحتية أو التهريب عبر الحدود أو من باب الخوف على التوازنات الطائفية التي يقوم عليها لبنان، ما يعرضهم لضغوط متزايدة من اللبنانيين تطالب عودتهم الى سوريا.

     

    تّدعم هذه التوجهات بنشر أرقام تقديرية تستعمل من السياسيين، ولكن من السهل الطعن بها لعدم وجود احصاء رسمي اسمي للاجئين يستند عليه ولا حتى من وزارة العمل حول الاجازات الممنوحة للسورين اليوم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت الدولية للمعلومات دراسة وأرقاماً وأرقامًا صادمة عن وضع النازحين السوريين في لبنان بتاريخ 24 حزيران 2022 جاء فيها: "حوالى مليون ونصف لاجئ سوري يستهلكون يوميًا ما يلي:

     

    • اكثر من 400 ألف ربطة خبز.
    • 350
      ميغاوات كهرباء
    • أكثر من 130 مليون ليتر ماء.
    • أكثر من 100 ألف فرصة عمل في مختلف قطاعات الإنتاج في لبنان.
    • استشفاء في المرافق الصحية اللبنانية، 90 بالمئة على حساب الأمم المتحدة.
    • تحويلات مالية إلى الخارج بحوالى 65 مليون دولار شهرياً".  (الوطن، 2023)

     

    تُجمِع كل الأطراف السياسية في لبنان على الحاجة الماسة لعودة اللاجئين السوريين، وظهر ذلك في عدم اعتراضهم على إجتماع وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين مع وزير الداخلية السوري اللواء محمد رحمون، لبحث خطة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بل اقتصر الخلاف على صلاحيات الامساك بالملف بين الوزير شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار (nna، 2022) .

     

    بالتزامن، لم تتوقف الحملات الاعلامية والتصريحات السياسية المنظمة التي تطالب مرارًا وتكرارًا  إلى إعادة اللّاجئين السّوريين إلى بلادهم بشكل جماعي، أو فتح البحر أمامهم نحو أوروبا، دون أن يتمّ أي تغيير أو مقترح لسياسات جديّة تمهد لذلك.

     

    وكأن بهذه الأصوات لا تعني حقًا عودة اللّاجئين بقدر ما تطالب الدول المانحة بمساعدات ماليّة جديّة تنقذ لبنان من الانهيار الّذي يواجهه (WhoLebanon, 2024) ، خاصة وأنّ تكلفة استضافة اللاجئين السوريين في لبنان تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي سنويًا حسب تصريح فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . وقد قال أيضًا خلال لقائه رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة نجيب ميقاتي لبحث مشاريع البنك الدولي المقبلة في لبنان: "يجب على المانحين أن يدفعوا حصة كبيرة من هذه التكلفة لأن لبنان لا يستطيع استيعابها بمفرده"(Huaxi, 2024).  

     

    فالحكومة اللبنانية التي تقوم بتصريف الأعمال بسبب استقالتها وأمام الفراغ الدستوري الحاصل بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وتهربها من القيام بالاصلاحات التي التزمت بها في الاتفاق الأولي على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022، تحاول تسيير مرافقها الخدماتية التربوية والصحية وحتى الأمنية عبر المساعدات المقدمة للبنان لدعم دمج اللاجئين السوريين وضبط حدوده البحرية بشكل خاص لمنع تدفق موجات اللاجئين السوريين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا عبر قبرص واليونان وإيطاليا، وهذا ما بدا واضحًا في زيارة رئيسة وزراء إيطاليا والرئيس القبرصي للبنان مؤخرًا. لكن مع عدم تطبيق أي بند من الإصلاحات الأساسية التي قد تؤدي إلى بدء تعافي الاقتصاد اللبناني، سوف يؤدي ذلك إلى إجهاد المانحين وإنهاك لبنان.

     

    ومن المهم التذكير هنا إلى أن لبنان لم يوقع على اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والتي ترعى مبدأ دمجهم في الدول المضيفة. ويُعتبر لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء، وفقاً للمذكرة الموقعة بين الأمن العام اللبناني والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2003 (UNHCR, 2003) . ومع ذلك، فإن لبنان من الدول الموقعة على القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث يتكرس مبدأ عدم الإعادة القسرية في نصوص صريحة (2018, IRC). ولهذا السبب، على الرغم من افتقار اللاجئين إلى وثائق الإقامة القانونية، عادة ما يتمّ إطلاق سراح المعتقلين بعد بضعة أيام مع تحذير كتابي، إما لتنظيم أوراق هويتهم أو إنذار نهائي يلزمهم بالعودة إلى سوريا، مع وجود بعض حالات نادرة للترحيل القسري (2023,AMNESTY)، وقد التزمت الحكومة اللبنانية بحسب تصريح ليزا بو خالد الناطقة بإسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان بعدم استخدام أي من البيانات التي تمّ مشاركتها معها من المفوضية لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وأكدت الحكومة ودائمًا بحسب بو خالد التزامها بمبدأ عدم الإعادة القسرية وموجباته بحسب القانون الدولي (2023, Elnashra).

     

    لكن رغم هذه الأجواء المشحونة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، فإن عودتهم الوشيكة لا تزال تبدو غير محتملة. وفي مقابلات أجريناها مع عينة من شباب لاجئين سوريين في بيروت بين عمر 20 و 25 سنة ويعيشون في لبنان منذ سنة 2014، لم يكن لدى أي منهم رغبة في العودة إلى سوريا. ومن أهم الأسباب التي تمّ ذكرها هي عدم رغبتهم بالإلتحاق بالخدمة العسكرية، وعدم وجود فرص عمل بأجرٍ كافٍ، والشعور بالاستقرار في لبنان. وفي هذا السياق كان لافتًا تصريح المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش مشاركتهما في «المنتدى العالمي للاجئين»، لجهة أن «الحل الأمثل هو في دعم النازحين في سوريا، ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت» ( Aawsat,2023 ).

     

    الحل السياسي باب العودة

    يرى قادة دول مجموعة السبع التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان أن المدخل الوحيد للحل القابل للتطبيق في سوريا، هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (G7,2017 )، الذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية تشمل الجميع وتكون غير طائفية، واعتماد مسار لصياغة دستور جديد لسوريا في غضون 6 أشهر. كما دعا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهرًا، وربطوا، التطبيع مع الحكومة السورية وإعادة الإعمار بتحقيق تقدم حقيقي في العملية السياسية.

     

    على الرغم من الجهود المبذولة، لم يحقق مسار جنيف لأعمال اللجنة الدستورية التي رعتها الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة في عام 2019 إلى نتائج ايجابية، والتي اعتبره في حينه مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسون أنها "لحظة تاريخية، فهذه هي المرة الأولى التي يجلس فيها 50 ممثلًا من الحكومة و50 ممثلًا من المعارضة وجهًا لوجه، ويجلس أيضًا رئيسان مشاركان جنبًا إلى جنب للعمل كأعضاء في اللجنة الدستورية لإنجاز مهمة كبيرة ألا وهي إيجاد ترتيبات دستورية جديدة لسوريا، وهو ما يفتح المجال لفرصة جديدة لسوريا". (UN, 2019)

     

    إن شلل الجهود الديبلوماسية الدولية لفتح أفق الحل السياسي للصراع في سوريا، يُسقط شروط العودة الطوعيّة الآمنة،  يُضاف إليه الإنهيار الاقتصادي الغير مسبوق في لبنان، وارتفاع معدلات البطالة فيه، وانخفاض قيمة عملته الوطنية، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم، ورفع الدعم عَنْ الأدويّة والوقود وتفكك مؤسساته الحكومية، وزيادة الصعوبات الّتي يواجهها الكثير من اللبنانيين لتلبيّة احتياجاتهم الأساسيّة، جعل من أي لاجئ جديد الشَّعرة الّتي قد تقسم ظهر الاستقرار بكل أبعاده، في أي لحظة، وتُفجر في وجه الجميع أزمات اجتماعيّة أكبر. ما يجعل من الدمج الاقتصادي  مستحيلًا مع تخطي 80% من اللبنانيين عتبة الفقر، واستمرار إستباحة الحدود البريّة اللبنانيّة السّوريّة التي تطيح تداعياتها بكل جهود الإستجابة للأزمات الإنسانيّة الناتجة عَنْ الحرب في سوريا.

     

    أمام هذه الفوضى في إدارة إحدى أكبر أزمات لبنان المعاصر ذات الأبعاد الإنسانيّة والاجتماعيّة والاقتصادية والسّياسيّة،  يجب أن يكون للبنان رؤية استراتيجية وطنية تسهم في عودة الاستقرار في كل أبعاده وتتّفق مع ما تؤكّده شرعة حقوق الإنسان، والدّستور اللّبنانيّ، والمعايير العلميّة لأصول إدارة هذا النّوع من الأزمات.

     

    المراجع:

     

    كارلوس نفّاع

    أستاذ جامعي و مستشار متخصص في إدارة أزمات اللّجوء و السّياسات العامة. حائز على منحة زمالة فورد العالمية – 2020 ، وعلى جائزة وزارة الخارجية الألمانية – الوحدة الألمانية بعيون عربية- 2015. ترأس اللّجنة الإقليمية لإنتاج قاموس المصطلحات العربية لتقنيات المراقبة والتّقييم ضمن مشروع في مؤسسة أديان، و لجنة التّصنيف العربي المعياري للمهن في برنامج التّعاون الدّولي الألماني لإصلاح السّياسات وبرنامج تطوير التّبادل الأكاديمي اللبناني الألماني مع هيئة التّبادل الأكاديمي الألمانية. بالإضافة الى شهادة الدكتوراه اللبنانية في السّياسات التّربويّة، يحمل ماجستير في إدارة التّعليم الدّولي من جامعة لودفيغسبورغ-المانيا، وماجستير في العلوم السّياسية والإدارية من الجامعة اللّبنانية.


اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية