• شؤون اجتماعية
    مارس 18، 2025

    تعزيز أُطُر الحماية: تحليل التشريعات الخاصّة بمناهضة العنف ضدّ النساء في لبنان

    • زينة الحلو
    تعزيز أُطُر الحماية: تحليل التشريعات الخاصّة بمناهضة العنف ضدّ النساء في لبنان

    في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام من انفجار مرفأ بيروت، يكون محوره ووجهته الإنسان وكرامة عيشه. وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات الجمعية والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ويندرج نشره في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.


    ما هي المسألة المطروحة؟

    يُصنَّف لبنان بين الدول التي تُسجِّل أكبر فجوة بين الجنسَيْن عالميًا، فيحتلّ المرتبة 145 من أصل 153 بلدًا في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة بين الجنسَيْن لعام 2020. ويُعَدّ العنف ضدّ النساء قضيةً متجذّرة بعمق في المجتمع اللبناني، وتتفاقم هذه الظاهرة جرّاء الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة ضمن إطار قانوني للأحوال الشخصية يخضع بشكل كبير لسلطة المحاكم الروحية. وقد أدّى هذا الواقع إلى تقييد مشاركة النساء في سوق العمل والحياة السياسية.

     

    وعلى الرغم من أنَّ النساء اللبنانيات نِلَنْ حقَّ التصويت في عام 1952، لا يزال تمثيلهنّ محدودًا بشكل ملحوظ بعد مرور أكثر من سبعة عقود. فلقد أشارت أحدث البيانات إلى أنَّ حصّة النساء في البرلمان لا تتعدّى 6.25%، وهي نسبة قياسية تحقّقت في انتخابات عام 2022، كما أنَّ أوّل حكومة تضمّ وزيرات تشكّلت في عام 2004. ومنذ ذلك الحين، شهدَ تمثيل النساء في الحكومات تراجُعًا واضحًا، فقد ضمّت حكومةٌ سابقة وزيرةً واحدةً فقط من بين 24 وزيرًا. ومع ذلك، شهدت الحكومة الأخيرة تحسُّنًا ملموسًا، إذ تضمّ خمس وزيرات بين 24 وزيرًا. وعند مقارنة وضع لبنان بالبلدان الأخرى في المنطقة، كالأردن مثلًا، يتّضح أنَّ لبنان متأخّر في هذا المجال، إذ اعتمدت المملكة الأردنية نظام الكوتا النسائية منذ عام 2007، كما أنَّ التمثيل النسائي في البرلمان الأردني بلغَ نسبة 12.3% من إجمالي المقاعد في عام 2023 (البنك الدولي، 2023).

     

    في السنوات الأخيرة، أدّى كلٌّ من الأزمة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، وجائحة كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت في عام 2020، فضلًا عن الحرب الإسرائيلية في عام 2024، إلى ارتفاع معدّلات العنف ضدّ النساء. وتسبّبت الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتدابير الإغلاق والحجر الصحّي بارتفاع نِسَب العنف الأُسَري إذ اضطرّت النساء المُعنَّفات إلى البقاء في منازلهنّ مع الرجال المُسيئين إليهنّ (صندوق الأمم المتّحدة للسكّان، 2021). وتكشف بيانات قوى الأمن الداخلي ارتفاع نسبة العنف الأُسَري المُبلَّغ عنه بنسبة 241% خلال فترة انتشار جائحة كوفيد-19 (2020-2021) مقارنةً بالأشهر الـثمانية عشر السابقة (2018-2019) (منظّمة في-مايل، وهيئة الأمم المتّحدة للمرأة، ومنظّمة كفى، 2023). علاوةً على ذلك، تعرّضت النساء للمخاطر المهنية الصحّية بشكلٍ أكبر، وذلك نظرًا لأنَّهنَّ يُمثِّلْنَ نسبةً تتراوح بين 75 و80% من العاملين في مجال الرعاية الصحّية في لبنان. ومن الناحية الاقتصادية، أصبحت النساء أكثر عُرضةً لفقدان وظائفهنَّ، وخصوصًا في قطاعات الضيافة والسياحة. وتَضاعَفَ عبء أعمال الرعاية غير المدفوعة على النساء اللواتي يُخصِّصْنَ في الأساس وقتًا طويلًا لهذه المهام قبل تفشّي الجائحة (شبارو، 2020).

     

    في عام 2020، أفادت نسبة 43% من النساء ونسبة 30% من الرجال أنَّهم شَهِدوا عنفًا أو يعرفون امرأةً تعرّضت للعنف (راشد، 2023). بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت نسبة الأفراد المتحوّلين جنسيًا الذين شعروا بأنَّهم مُعرَّضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في مناطق سكنهم/نَّ من نسبة 48% في عام 2021 إلى نسبة 54% في عام 2022. وكشفَ التقرير السنوي لنظام المعلومات الإدارية المتعلّقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي للعام 2023 أنَّ 95% من حالات العنف المُبلَّغ عنها تخصّ النساء، ممّا يُسلِّط الضوء على استمرار هذا الشكل من العنف وانتشاره (هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، 2023).

     

    وغالبًا ما تُواجِه اللبنانيات المُشارِكات في الشأن العام أشكالًا مختلفة من العنف وعوائق كبيرة ناجمة عن الأعراف المجتمعية والتفسيرات الدينية، وهيمنة الأحزاب السياسية الذكورية، فضلًا عن النظام القانوني الذي لا يُعطي للنساء كامل حقوقهنّ، والنظام الانتخابي الذي يمنح الأفضلية للرجال (الجامعة الأمريكية في بيروت). تشهد النساء أيضًا تمثيلًا متدنّيًا في وسائل الإعلام، ممّا يؤدّي إلى استمرار الصور النمطية الجندرية (مرصد العنف ضدّ المرأة، 2023). ويُؤثِّر هذا التمثيل المتدنّي على تصوّرات الرأي العام من خلال تعزيز الأدوار الجندرية التقليدية والحدّ من ظهور النساء كقائدات وخبيرات.

     

    أمّا القوانين اللبنانية للأحوال الشخصية القائمة على الطائفة فغالبًا ما تتضمّن تمييزًا ضدّ النساء، فتفرض بالتالي عقبات عدّة أمام تحقيق العدالة وتأمين الحماية. وتختلف هذه القوانين بحسب الطائفة، ويؤدّي ذلك إلى تفاوتٍ في حقوق النساء. فالمسائل مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وحقوق الميراث تُنظَّم بالإجمال من خلال المحاكم الروحية التي غالبًا ما تتبنّى المعايير الذكورية (تقرير هيومن رايتس ووتش حول لبنان، 2021). لذلك، يُعَدُّ إقرار قانون موحَّد للأحوال الشخصية خطوةً أساسية لتفكيك البنية الذكورية الراسخة في مختلف مستويات المجتمع. فمن شأن هذا القانون أن يُساهِم بشكل كبير في وضع حدّ للتمييز المنهجي ضدّ النساء. ومع ذلك، تُواجِه جهود إصلاح هذه القوانين رفضًا شديدًا من القيادات الدينية والسياسية التي تَعتبِر هذه التغييرات تهديدًا لسلطتها.

     

    إنَّ الأعراف الثقافية التي تُعطي الأولوية للسلطة الذكورية والأدوار الجندرية التقليدية تُقيِّد استقلالية النساء وتُعزِّز تبعيّتهن للرجال. ويؤدّي ذلك إلى استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما يمنع النساء من طلب المساعدة القانونية أو النفسية خوفًا من الوصمة الاجتماعية أو الانتقام.

     

    التشريعات المُناصِرة لحقوق المرأة منذ الاستقلال

    بدأت أولى الحركات النسوية اللبنانية المُنظَّمة بالظهور في العشرينيات مع تشكيل الاتّحاد النسائي، ووجّهت تركيزها نحو القضايا الثقافية والاجتماعية. لا تزال النساء اللبنانيات المتزوّجات من رجال أجانب غير قادرات على منح جنسيتهنّ لأزواجهنّ أو أطفالهنّ. ونالت النساء الحقّ في الترشّح للانتخابات المحلّية في عام 1963، واكتسبْنَ الحقّ في السفر من دون إذن أزواجهنّ في عام 1974 (هيفوس، 2020).

     

    لم يُشرَّع استخدام حبوب منع الحمل حتّى عام 1983. وما زالَ الإجهاض محظورًا حتّى يومنا هذا في كلّ الحالات إلّا التي يُشكِّل فيها الحمل خطرًا على حياة الأمّ. ويحكم قانون العقوبات بالسجن على النساء اللواتي يرتكبْنَ الإجهاض، والأشخاص الذين يُنفِّذون عمليات الإجهاض. وعلى الرغم من هذه القوانين الصارمة، ما زالت عمليات الإجهاض تُنفَّذ في الخفاء، وغالبًا بتكاليف باهظة وفي ظروف غير آمنة. يلجأ عدد كبير من النساء، نتيجة هذا الواقع، إلى أساليب غير آمنة تُشكِّل مخاطر صحّية كبيرة. ومع ذلك، تبقى الجهود المبذولة لتعديل القانون محدودةً للغاية، ممّا يُحوِّل الإجهاض إلى أحد المشاغل الدائمة في مجال الصحّة العامّة (فتح الله، 2019).

     

    في عام 1987، شهدَ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعديلاتٍ مَنَحَت النساء الحقّ في الاستفادة من تعويضات نهاية الخدمة على قدم المساواة مع الرجال، على الرغم من أنَّهنَّ ما زِلن مُستبعَدات من بعض المنافع (عبد، بارود، موسوي، 2020). علاوةً على ذلك، سمحت الإصلاحات الأخيرة للنساء بتأمين أزواجهنّ من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلّا أنَّ التفاوت في التغطية والمنافع التي تُقدَّم للنساء بالمقارنة مع الرجال لا يزال قائمًا. وبحلول عام 1993، اكتسبت النساء الحقّ في الإدلاء بشهادتهنّ في المسائل المتعلّقة بالسجلّ العقاري. وفي عام 1994، مُنِحَت النساء المتزوّجات الحقّ في ممارسة الأعمال التجارية من دون الحاجة إلى إذن أزواجهنّ. ونالت الدبلوماسيات أيضًا الحقّ في مواصلة عملهنّ بصرف النظر عن وضعهنّ الاجتماعي. وفي عام 1995، اكتسبت النساء إمكانية إبرام عقود التأمين على الحياة من دون إذن أزواجهنّ (دعم لبنان والتجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، 2017).

     

    في عام 1997، صادقَ لبنان على اتّفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، وهي شرعة دولية لحقوق المرأة ترمي إلى القضاء على التمييز في جميع المجالات وتعزيز المساواة في الحقوق (مفوّضية الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان). وشَكَّلَت المصادقة على هذه الاتّفاقية خطوةً مهمّة نحو تعزيز المساواة بين الجنسَيْن وحماية حقوق النساء في لبنان. ومع ذلك، قدّمت الدولة اللبنانية تحفّظات على المادّة 9 (حقّ النساء في منح جنسيتهنّ لأطفالهنّ) والمادّة 16 (القضاء على التمييز ضدّ النساء في الأمور المتعلّقة بالأسرة والزواج، مثل الحقوق والمسؤوليات في الزواج، والوصاية، والحقوق الشخصية) والمادّة 29 (المتعلّقة بخيارات إحالة الخلافات إلى التحكيم أو محكمة العدل الدولية بشأن تفسير بنود الاتّفاقية)، وأدّت هذه التحفّظات إلى إعاقة التطبيق الكامل للاتّفاقية.

     

    في عام 1998، تأسّست الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بغية الدفاع عن حقوق النساء والفتيات في لبنان وتعميم المنظور الجندري في القوانين والسياسات (الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية). وفي عام 2000، تمّ تعديل قانون العمل اللبناني من أجل ضمان حقوق متساوية بين الرجال والنساء العاملين/ات في القطاع الحكومي. وبحلول العام 2001، حصلت النساء على منافع الأمومة والصحّة، فضلًا عن التعويضات العائلية.

     

    في عام 2011، ألغى لبنان المادّة 562 من قانون العقوبات التي كانت تُخفِّف عقوبة قتل القريبات أو الزوجات على خلفية "حماية شرف الأسرة" (وهي ممارسة تُعرَف بـ "جريمة الشرف"). وفي العام نفسه، صدرَ القانون رقم 164 لمكافحة الاتجار بالبشر، وتمّ تعديل القوانين الخاصّة بالطائفة السنّية بغية رفع سنّ حضانة الأطفال. وفي عام 2014، تمّ تمديد إجازة الأمومة إلى 10 أسابيع، كما صدرَ القانون 293 للحماية من العنف الأُسَري (دعم لبنان والتجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، 2017).

     

    واستمرَّ لبنان بعد العام 2014 في القيام بخطوات تشريعية محدودة نحو الأمام لتعزيز حقوق النساء. في عام 2017، تمّ تعديل قانون البلديات ليسمح للنساء المتزوجات بالترشُّح للانتخابات البلدية في مناطقهنّ الأصلية قبل الزواج (صحيفة ذا دايلي ستار، 2017). وفي عام 2020، أقرَّ لبنان للمرّة الأولى قانون تجريم التحرّش الجنسي رقم 205، وهو قانون يرمي إلى تجريم التحرّش الجنسي وتقديم بعض أشكال الحماية لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، فيُعاقِب مُرتكِبي هذه الجريمة بالسجن لمدّة تَصِل إلى أربع سنوات وبغرامة تَصِل إلى 50 ضعفًا للحدّ الأدنى للأجور (أزهري، 2020). وفي العام نفسه، أُجرِيَت بعض التعديلات على القانون 293 الخاصّ بالحماية من العنف الأُسَري، وتشمل توسيع نطاق تعريف العنف الأُسَري، وتضمين العنف الاقتصادي في تعريف العنف الأُسَري، وزيادة الدعم القضائي، وتوسيع قرارات الحماية لتشمل عددًا أكبر من الأطفال، وإنشاء صندوق لدعم الضحايا وإعادة تأهيل مُرتكِبي الجرائم. وفُرِضَت أيضًا عقوبات أكثر صرامةً على المرتكِبين (صمادي، 2021).

     

    كذلك في العام 2017، ألغى مجلس النواب المادّة 522 من قانون العقوبات، التي تُعفي المُغتصِب من الملاحقة القضائية في حال تزوَّجَ من الضحية. ولكنْ، تمّ الإبقاء على أحكام مماثلة في المادّة 505 (مجامعة قاصر)، والمادّة 518 (الوعد بالزواج من امرأة راشدة أو قاصر) التي أصبحت تمنح المُرتكِبين خيار السجن أو الزواج بالضحية في حال كانَ عمرُها يتراوح بين 15 و18 عامًا. يُثير هذا القرار تساؤلات حول التناقضات في القانون، إذ يُعتبَر الجماع مع قاصر جريمةً. فالاحتفاظ بهذه الأحكام يعكس المعايير الثقافية والدينية، ويُشرِّع زواج الأطفال بموجب القانون المدني. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمّ تعديل المادّة 503 التي تُعفي الزوج من الملاحقة القضائية للاغتصاب الزوجي، ممّا يُسلِّط الضوء على التأثير المستمرّ للمواقف الذكورية في النظام القانوني في لبنان (كفى، 2017).

     

    في كانون الأوّل/ديسمبر 2020، تمّ إطلاق "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)" لتلبية احتياجات الإصلاح المُلِحَّة في لبنان ودعم جهود التعافي عقب انفجار مرفأ بيروت. يُركِّز هذا الإطار على التعافي المُرتكِز على الأفراد، والإصلاحات الجوهرية، وإعادة الإعمار على المدى البعيد، مع التأكيد على المساواة بين الجنسَيْن من خلال تمكين المرأة، والسياسات الشاملة، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار. وعلى الرغم من بعض التقدُّم المُحرَز في الإصلاحات التشريعية، يُؤكِّد استمرار التمثيل الناقص للمرأة في الأدوار القيادية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة العنف الأُسَري والصعوبات الاقتصادية، على الحاجة المُلِحَّة لاعتماد سياسات شاملة تُراعي النوع الاجتماعي. ومن الضروري معالجة هذه التحدّيات لضمان أن يكون التعافي في لبنان شاملاً، لا بل تحويليًا أيضًا من منظور حقوق المرأة وحمايتها.

     

    تقدُّم مُعرقَل بسبب التطبيق والتنفيذ

    على الرغم من التقدُّم الملحوظ على صعيد التشريعات المتعلّقة بحقوق المرأة بفضل الجهود الجبّارة التي بذلتها منظّمات المجتمع المدني، غير أنَّ فعّالية هذه القوانين تُثير تساؤلات عدّة بسبب التحدّيات المستمرّة، بما في ذلك الرفض الثقافي، وضعف إنفاذ القانون، فضلًا عن المعارضة السياسية والدينية.

     

    تنطوي قوانين الأحوال الشخصية الحالية، التي ترعاها المحاكم الروحية، على تمييزٍ ضدّ المرأة، ممّا يُولِّد تناقضات في الحقوق وأشكال الحماية. فلا يمكن عقد الزواج المدني في لبنان، وليس هناك حدّ أدنى لسنّ الزواج، ممّا يؤدّي غالبًا إلى تزويج القاصرين. علاوةً على ذلك، لا يحقّ للمرأة اللبنانية أن تمنح الجنسية لزوجها أو لأطفالها (دعم لبنان والتجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، 2017).

     

    وفي حين يُشكِّل القانون رقم 205 بشأن مكافحة التحرّش الجنسي خطوةً إيجابية، غير أنَّه يُركِّز على التجريم حصرًا، وبالتالي يُهمِل جوانب أخرى مثل الوقاية، وإصلاحات قانون العمل، والرصد، وسُبُل الانصاف المدنية. كذلك، يفتقر القانون إلى تدابير شاملة وأُطُر حماية واقعية للضحايا، لا سيّما في مكان العمل (هيومن رايتس ووتش، 2021).

     

    وهناك نقص في خدمات الدعم للناجيات من العنف، مثل مراكز الإيواء والمساعدة القانونية والدعم النفسي. تُواجِه النساء عوائق في الوصول إلى العدالة والحماية، بما في ذلك الحواجز المالية والعقبات القانونية والاستجابة غير المناسبة من حيث إنفاذ القانون. في الواقع، لم يُنفَّذ القانون 293 بشأن العنف الأُسَري بالكامل بعد، ولا يزال إنشاء وحدة العنف الأُسَري الخاصّة في قوى الأمن الداخلي وكذلك الصندوق الخاصّ لدعم الضحايا مُعلَّقًا، بعد أكثر من عشر سنوات على إقرار القانون (موسوي ياسين، 2017). بالإضافة إلى ذلك، فإن الوصمة المجتمعية تُثني الضحايا عن طلب المساعدة (مجموعة بيوند - هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، 2021). وبسبب قوانين الأسرة والأعراف الثقافية التي تُطبِّع العنف، تُواجِه النساء المتزوّجات قيودًا قانونية أكثر من النساء غير المتزوّجات، ولا تزال الأعراف الذكورية قائمة (دعم لبنان والتجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، 2017)، ما يُعيق تحقيق المرأة لإمكاناتها.

     

     

    ما أهميّة ذلك؟

    تُعَدّ مكافحة العنف ضدّ المرأة أمرًا أساسيًا، إذ يُمثِّل هذا العنف انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان ومشكلةً صحّية عامّة رئيسية، ويؤدّي إلى مشاكل صحّية جسدية ونفسية وإنجابية (منظّمة الصحّة العالمية). من الناحية الاقتصادية، يُؤثِّر العنف على قدرة المرأة على العمل، ويحدّ من إنتاجيتها، ويزيد من تكاليف الرعاية الصحّية، ما يُعيق النموّ الاقتصادي. أما اجتماعيًا، فيُؤثِّر العنف على استقرار المجتمع ورفاهه، فتستمرّ دوّامة الإساءة (هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، 2023). ويؤدّي العنف السياسي إلى الحدّ من مشاركة المرأة في الأدوار السياسية، ما يُؤثِّر على تمثيلها ومساواتها بالرجل. كذلك، فإنَّ الصور النمطية الجندرية التي تنقلها وسائل الإعلام تزيد من ضعف تمثيل المرأة (هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، 2021).

     

    بالنسبة لغالبية الأطراف السياسية، لا تُشكِّل حقوق المرأة والمساواة بين الجنسَيْن أولويةً، لا سيّما خلال الأزمات، ولكنَّها ضرورية للتعافي الاقتصادي. ويمكن لتشجيع مشاركة المرأة في الاقتصاد النظامي أن يُوسِّع القاعدة الضريبية في لبنان ويُعزِّز الاستدامة المالية لبرامج الضمان الاجتماعي. وتشمل التوصيات الرئيسية الاستثمار في أنظمة الحماية الاجتماعية، ومعالجة التمييز بين الجنسَيْن في قوانين العمل والضمان الاجتماعي، وتجنُّب التقشّف في قطاعَيْ الصحّة والتعليم. كذلك، فإنَّ تسريع إصلاح نظام التقاعد وتعزيز اعتماد الضرائب التصاعدية أساسيّان لنظامٍ اقتصادي أكثر إنصافًا (هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في لبنان، 2020).

     

    في الختام، على الرغم من الخطوات التشريعية التي أنجزها لبنان نحو تحقيق المساواة بين الجنسَيْن، غير أنَّ هذه القوانين وحدها لا تكفي لإحداث تغيير دائم. إنَّ الجهود الشاملة، بما في ذلك التغيير الثقافي، وآليات التنفيذ الأكثر فعّاليةً، وزيادة خدمات الدعم، هي جوانب ضرورية لتحقيق تحسين ملموس في حياة المرأة. وتتطلّب معالجة هذه القضايا إصلاحات قانونية، وحملات توعية عامّة تُركِّز على أهمية المساواة بين الجنسَيْن في بناء مجتمعات أكثر إنصافًا واقتصادات متينة، بالإضافة إلى تمكين المرأة من خلال التعليم والفُرَص الاقتصادية. ويُعَدّ التعاون بين منظّمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية والشركاء الدوليين خطوةً ضرورية لبناء مجتمع أكثر إنصافًا وعدلًا لجميع النساء في لبنان.

     


    المراجع

    1. "مرصد العنف ضدّ المرأة: يُسلِّط الضوء على العنف ضدّ المرأة في المجال السياسي في لبنان"، مهارات، مدنيات، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، أيلول/سبتمبر 2023، https://maharatfoundation.org/media/2562/vawp-final-report-arb.pdf 
    2. آن ديسمور وراشيل دور-ويكس، على لبنان إعلان العنف ضدّ المرأة حالةَ طوارئ وطنية، 9 آذار/مارس 2021، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، الدول العربية، https://shorturl.at/GoNAn 
    3. عبير شبارو، البُعد الجندري لجائحة كوفيد-19 في لبنان، معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية، أيّار/مايو 2020 https://www.aub.edu.lb/ifi/Documents/publications/policy_briefs/2019-2020/20200515_gender_dimension_of_covid_19.pdf 
    4. الحماية الاجتماعية في لبنان، من منظور النوع الاجتماعي، تقرير التقييم الأساسي؛ مجموعة بيوند، (2021)، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، https://lebanon.unwomen.org/sites/default/files/2022-06/SP%20Baseline%20Report%20.pdf 
    5. الاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان 2022-2030، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، https://shorturl.at/PWqKq 
    6. رولا الحسيني، العنف ضدّ المرأة في لبنان: تحدّي العمل التشريعي، 6 حزيران/يونيو 2024، https://shorturl.at/ms9o1 
    7. موجز قُطري - العنف ضدّ المرأة في زمن كوفيد-19، لبنان 2020، صندوق الأمم المتّحدة للسكّان، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، آذار/مارس 2021، https://shorturl.at/r1k8Q 
    8. ملفّ دولة لبنان، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة - الدول العربية، https://arabstates.unwomen.org/ar/countries/lebanon 
    9. لبنان، أحداث عام 2021، هيومن رايتس ووتش، التقرير العالمي 2022: لبنان | هيومن رايتس ووتش (hrw.org)
    10. التقرير العالمي للفجوة بين الجنسَيْن لعام 2020، المنتدى الاقتصادي العالمي، https://www3.weforum.org/docs/WEF_GGGR_2020.pdf 
    11. لوحة المتابعة التفاعلية لحالة التصديق لكلّ دولة، لوحة معلومات مفوّضية الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان
    12. الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، الرسالة والرؤية، https://shorturl.at/htmOH 
    13. لمحة تاريخية عن إنجازات المرأة في لبنان، مركز دعم لبنان والتجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، 2017، https://www.rdflwomen.org/eng/a-historical-overview-of-womens-achievements-in-lebanon/  
    14. مكانة المرأة في لبنان، هيومن رايتس ووتش، 2 تمّوز/يوليو 2009، https://www.hrw.org/news/2009/07/02/womans-place-lebanon  
    15. تعديل شروط الترشّح للبلديات للنساء المتزوّجات، صحيفة ذات ديلي ستار، 19 أيلول/سبتمبر 2017، https://womenshistoryinlebanon.org/timeline/amending-the-municipality-candidacy-conditions-for-married-women  
    16. تيمور أزهري، لبنان يُقِرّ قانونًا للتحرّش الجنسي للمرّة الأولى، الجزيرة، 21 كانون الأوّل/ديسمبر 2020، https://www.aljazeera.com/news/2020/12/21/lebanons-parliament-approves-landmark-sexual-harassment-law 
    17. هيومن رايتس ووتش، لبنان: قانون التحرّش الجنسي يفتقد إلى الحماية الأساسية، 5 آذار/مارس 2021، https://www.hrw.org/news/2021/03/05/lebanon-sexual-harassment-law-missing-key-protections  
    18. في-مايل، وهيئة الأمم المتّحدة للمرأة، ومنظّمة كفى، نشرة حول قضايا النوع الاجتماعي: في خضمّ الأزمة الإنسانية في لبنان: نساء وفتيات مفقودات... ما نعرفه حتّى الآن، آذار/مارس 2023 https://lebanon.unwomen.org/sites/default/files/2023-03/Gender_Alert_March_2023_Arabic.pdf  
    19. سامية صمادي، في لبنان: مجلس النوّاب اللبناني يُمرِّر تعديلات جديدة على قانون الحماية من العنف الأُسَري، 14 كانون الثاني/يناير 2021، ائتلاف النائبات لمناهضة العنف ضدّ المرأة، https://cvaw-arabcoalition.org/ar/english-in-lebanon-the-parliament-passes-new-amendments-to-the-protection-from-dv-law 
    20. التعافي المُراعي للنوع الاجتماعي في لبنان: توصيات لإصلاح السياسات المالية والاجتماعية والعمّالية، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في لبنان، 2020، https://rb.gy/uqzxe5 
    21. منظّمة الصحّة العالمية، العنف ضدّ المرأة (who.int)
    22. فهم العنف ضدّ المرأة ومعالجته: نظرة عامّة، مذكّرة إعلامية، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، فهم العنف ضدّ المرأة ومعالجته: لمحة عامّة (who.int)
    23. شرح هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عشر طرق لمنع العنف ضدّ النساء والفتيات | هيئة الأمم المتّحدة للمرأة - المقرّ الرئيسي 
    24. التطلُّع إلى الأمام: ينبغي للبنان أن يضع حقوق المرأة والمساواة بين الجنسَيْن في صدارة أجندته الإصلاحية الوطنية، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في لبنان، 10 كانون الأوّل/ديسمبر 2021،
    25. الملفّ الإحصائي الجندري | لبنان 2022، هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في لبنان، https://lebanon.unwomen.org/en/digital-library/publications/2022/06/gender-statistical-profile-lebanon-2022  
    26. هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، genderstatisticalprofile_lebanon_2023.pdf (unwomen.org)
    27. رولا راشد، انطلاق حملة الـ ١٦ يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في لبنان مع تزايد العنف في ظلّ الأزمة الحالية المتعدّدة الجوانب | الأمم المتّحدة في لبنان، 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، الأمم المتّحدة في لبنان
    28. الجامعة الأمريكية في بيروت، المرأة اللبنانية في المجال السياسي - ملخّص النصّ الكامل (aub.edu.lb)
    29. هيفوس، تاريخ الحركة النسائية في لبنان، 2020، https://womenshistoryinlebanon.org/ 
    30. فاطمة موسوي، ناصر ياسين، تفصيل قانون العنف الأُسَري في لبنان رقم 293: هل النساء محميّات؟ آب/أغسطس 2017، معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية، الجامعة الأمريكية في بيروت، 20170716_domestic_violence.pdf زينة فتح الله، العمل الأخلاقي وبناء شبكات الإجهاض: وصول المرأة إلى الإجهاض الآمن في لبنان، الصحّة وحقوق الإنسان، 2019، Europe PMC، ptpmcrender.fcgi (europepmc.org)
    31. دانا عابد، ميسا بارود، فاطمة موسوي، عدم المساواة في لبنان: تساؤلات حول العمل والإنفاق الاجتماعي والضرائب، معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية، الجامعة الأمريكية في بيروت، أوكسفام، موجز السياسات رقم 4، كانون الأوّل/ديسمبر 2020، 20210112_inequality_in_lebanon_english.pdf (aub.edu.lb)
    32. مشكلة المادّة 522، منظّمة كفى، 2017، https://kafa.org.lb/ar/node/6  
    زينة الحلو باحثة ومستشارة في شؤون التنمية، لديها خبرة تزيد عن 20 عامًا في مجال بحوث السياسات والتنمية، بما في ذلك الانتخابات والقضايا الاجتماعية والاقتصاد السياسي والتنمية المحلّية  .
اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية