• انتخابات
    سبتمبر 12، 2024

    إصلاح الانتخابات البلدية في لبنان: السُبُل إلى الحوكمة المحلية الديمقراطية

    • زينة الحلو
    إصلاح الانتخابات البلدية في لبنان: السُبُل إلى الحوكمة المحلية الديمقراطية

    في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام، محوره الإنسان، من انفجار مرفأ بيروت، وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويندرج المرصد في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.

     

    ما هي المسألة المطروحة؟

    في 25 نيسان/أبريل 2024، أرجأ البرلمان اللبناني الانتخابات البلدية للمرة الثالثة منذ إنشاء المجالس الحالية في أيّار/مايو 2016، ما أدّى إلى تمديد فترة ولاية المسؤولين المحليين لغاية 31 أيّار/مايو 2025. تُثير هذه السلسلة من التأجيلات، التي بدأت في عام 2022 واستمرت في عام 2023، مخاوف جدّية حول الحوكمة المحلية والديمقراطية في لبنان. وتُعزى هذه التأخيرات إلى التحديات السياسية والاقتصادية المستمرة، والقيود المالية، وعدم الاستعداد الإداري، والشواغل الأمنية (قيسي، 2024). ولطالما شهدَ لبنان في تاريخه الحديث تأخيرات كبيرة في مواعيد الانتخابات البلدية، إذ أُجريت ستة انتخابات فقط في السنوات الـ 72 الماضية (1952، 1963، 1998، 2004، 2010، و2016). وسُجّل آخر تأجيل مُطوَّل في ستينيات القرن العشرين، إذ تأخّرت الانتخابات التي كانَ من المقرّر إجراؤها في عام 1967 لأكثر من ثلاثة عقود لغاية عام 1998. (الدهيبي، 2023)

     

    ومن بين الأسباب المتعدّدة لتمديد فترة عمل البلديات، أشارت التقارير الإخبارية التي سبقت موعد الانتخابات المتوقّع إلى الخشية من زعزعة التكافؤ التقليدي في المجلس البلدي لبيروت بين المسلمين والمسيحيين (فخر الدين، 2024) باعتباره من الشواغل الهامّة بالنسبة إلى الأحزاب المسيحية، وبالتحديد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ورغم أنّ قانون البلديات لا يشترط أي حصص طائفية، إلّا أنّ مجلس بلدية بيروت حافظَ تاريخيًا على هذا التوازن عن طريق الوحدة السياسية. ومع تعليق أنشطة تيار المستقبل وعدم وجود حليف سُنّي قوي، من غير المرجّح الحفاظ على هذا التوازن، ما يثير المخاوف بشأن التمثيل المسيحي. إن هذه الحالة، إلى جانب شواغل أخرى، تستدعي مناقشة الإصلاحات الضرورية لقانون الانتخابات البلدية، والاتّجاهات التي ينبغي أن تتّخذها هذه الإصلاحات، والأهداف التي ينبغي أن تحققها.

     

    ما هي القوانين التي تُنظِّم الانتخابات البلدية في لبنان؟

    يجمع الإطار الانتخابي لبلديات لبنان البالغ عددها 1064 بلدية ومخاتيره البالغ عددهم 3018 مختارًا (فخر الدين، 2024) بين المرسوم التشريعي 1977/118 (قانون البلديات) وتعديلاته، وخاصةً القانون 1997/665. شكَّلَ هذا القانون تشريعًا مهمًا أُقِرَّ في نهاية الحرب التي استمرت عامين (1975-1977)، خلال فترة كان يُعتقد فيها أن النزاع قد انتهى (أبو ريش، 2016). تنصّ المادة 16 من قانون البلديات على أنّ أحكام الانتخابات النيابية تنطبق على الانتخابات البلدية. ومع ذلك، فإنَّ القانون الانتخابي الأحدث، أي القانون رقم 2017/44، الذي أقرَّ مبدأ التمثيل النسبي، أعفى الانتخابات البلدية من هذا التغيير، مُشيرًا بدلًا من ذلك إلى نظام الأكثرية في القانون الانتخابي 2008/25. أدّى هذا الافتقار إلى قانون محدّد للانتخابات البلدية والإطار غير الكافي لقانون البلديات إلى عدة تناقضات وثغرات، الأمر الذي عطَّلَ العملية الديمقراطية. وتشمل الإشكاليات عدم وجود مواعيد نهائية لسحب الترشيحات وعدم وجود أحكام تُنظِّم الإنفاق الإعلامي والحملات الانتخابية. كذلك، فإنَّ الاستمرار في استخدام نظام الأكثرية في الانتخابات البلدية يُثير أيضًا مخاوف تتعلق بالتمثيل ونزاهة العملية الانتخابية.

     

    ما هي محاولات الإصلاح التي بُذلت بشأن الانتخابات البلدية؟

    في 14 آذار/مارس 2023، اقترح النائبان بولا يعقوبيان (من تحالف "وطني") وياسين ياسين، عن دائرة بيروت الأولى ودائرة البقاع الغربي- راشيا على التوالي، قانونًا لتعديل نظام التصويت في لبنان بشكل جذري من أجل انتخاب المجالس البلدية. وتشمل الإصلاحات الرئيسية التمثيل المتساوي للنساء والرجال في المجالس البلدية، وتخصيص مقعد واحد على الأقل من الجنسَيْن للأشخاص ذوي الإعاقة، واعتماد نظام التمثيل النسبي مع التصويت التفضيلي على غرار النظام المستخدم في الانتخابات البرلمانية. علاوةً على ذلك، يسعى الاقتراح إلى توسيع دور هيئة الإشراف على الانتخابات لتغطية الانتخابات البلدية، ورفع السرية المصرفية عن المرشحين، وضبط حدود الإنفاق على الحملات الانتخابية (اللحام، 2023). وبينما يهدف القانون المُقترح إلى إدخال إصلاحات كبيرة وطموحة، فهو يتناول الانتخابات البلدية بشكلٍ مُنعزل ولا يأخذ في الحسبان صعوبات التنفيذ المتعلقة بالإنفاق على الحملات والتغطية الإعلامية، خاصةً بالنظر إلى العدد الكبير من المرشحين الذين يخوضون الانتخابات البلدية والاختيارية.

     

    في عام 2022، قدّم النائبان عن بيروت نقولا صحناوي (التيار الوطني الحر) وغسان حاصباني (القوات اللبنانية) اقتراحين يهدفان إلى معالجة التكافؤ الطائفي في المجلس البلدي للعاصمة. وتَمثَّلَ هدفُهما المُعلَن في ضمان الاستقرار والتماسك الاجتماعي من خلال التمثيل المتساوي بين المسيحيين والمسلمين. يطرح الاقتراح الأول تقسيم البلدية إلى بلديتين على أسس طائفية، في حين يطرح الاقتراح الثاني إنشاء مجالس محلية في كل من مناطق بيروت الاثنتي عشرة (فخر الدين، 2024). لا يقدّم هذان الاقتراحان إطارًا شاملًا للانتخابات البلدية، بل يهدفان إلى ترسيخ الطائفية وتقسيم بيروت، ما قد يقود إلى إنشاء المزيد من البلديات على أسس طائفية. وبينما يزعم البعض أنّ بيروت قد تستفيد من وجود اثني عشر مجلسًا نظرًا إلى حجم العمل المطلوب في مدينةٍ أصبحت موطنًا لأكثر من نصف مليون نسمة، إلّا أنّ هذا النهج قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات وتعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق حوكمة متماسكة وشاملة في المدينة. في شباط/فبراير 2010، اقترح النائب سامي الجميل إطارًا شاملًا للانتخابات البلدية والاختيارية، وتضمَّنَ مشروع القانون تقصير مدة ولاية المجلس البلدي إلى خمس سنوات، واعتماد نظام التمثيل النسبي، واعتماد الكوتا النسائية بنسبة 30% على أساس قسائم الاقتراع المطبوعة مسبقًا، وانتخاب الرئيس ونائب الرئيس بالاقتراع المباشر. وسعى هذا القانون أيضًا إلى منح البلديات هامشًا أكبر من الاستقلالية من خلال تعديل صلاحيات المجالس البلدية والحدّ من الإشراف المركزي. ولكنَّ الاقتراح لم يُحال إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي بسبب المناقشات الجارية، على الرغم من البحث فيه مرات عدّة بين عامَي 2010 و2022 في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الدفاع الوطني البرلمانية. حاليًا، لا تُناقش أي مشاريع قوانين أخرى تتعلق بإصلاح الانتخابات البلدية في اللجنة الفرعية (لارا سعادة، 2024).

     

    في عام 2009، اقترحَ وزير الداخلية والبلديات زياد بارود مشروع قانون لإصلاح قانون الانتخابات البلدية. أقرَّ مجلس الوزراء هذا التشريع وقدّمه إلى البرلمان في آذار/مارس 2010، وهو يهدف إلى اعتماد التمثيل النسبي، والقوائم المغلقة، ونسبة 20% من الكوتا النسائية، وقوائم الاقتراع المطبوعة مسبقًا، وأهلية أساتذة الجامعات وبعض الموظفين الحكوميين للترشح للمجالس البلدية. وكانَ من المتوقّع أن تؤدي هذه التغييرات إلى تعزيز الأحزاب السياسية، وتحسين العمل البلدي، وضمان تمثيل أوسع نطاقًا وأكثر إنصافًا (كرم، 2010). ولكنْ، مع تحديد موعد الانتخابات في أيّار/مايو 2010، لم يكن الوقت كافيًا لمناقشة القانون في البرلمان وإقراره. بالإضافة إلى ذلك، لا يُعدّ تعديل القوانين الانتخابية قبل أشهر قليلة من الانتخابات من أفضل الممارسات الديمقراطية. بالتالي، لم تتمكن اللجان البرلمانية المعنية من التوصّل إلى إجماع في الوقت المناسب، ما أجبر الوزير على الدعوة إلى إجراء الانتخابات بموجب القانون القديم بحلول 30 آذار/مارس لضمان حصول الاستحقاق الانتخابي في الموعد المحدّد.

     

    تتضمن أغلب مشاريع القوانين تدابير لضمان إمكانية وصول الناخبين ذوي الإعاقة. ومع ذلك، ينبغي تمديد الشمول السياسي إلى ما هو أبعد من الانتخابات، من خلال تبنّي هذه المعايير والممارسات الشمولية في أوجُه الحياة كافة لضمان الإدماج الكامل وتكريس حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (الحلو، 2024).

     

    وعلى الرغم من دعوات المجتمع المدني المستمرة إلى إجراء إصلاحات انتخابية نوعية، بما في ذلك وضع أُطُر واضحة وشاملة للانتخابات البلدية، لم يتحقّق أيّ تقدُّم يُذكر. ويشير ذلك إلى الامتناع عن تحسين التشريعات القائمة. وتواجه مناقشات الإصلاح معارضةً من الأحزاب التي تخشى حصول تغييرات في الوضع الراهن وتعطيل الديناميات القائمة على التوريث العائلي والعشائري، والتي تتشابكُ بعمقٍ مع السياسات التقليدية التي يغلب عليها طابع الزبائنية والمحسوبية.

     

    ما أهميّة ذلك؟

    يُعَدّ إصلاح قانون الانتخابات البلدية في لبنان أمرًا بالغ الأهمية لأسباب متعدّدة. تحتاج الدول الحديثة إلى أُطُر انتخابية واضحة وشاملة ومفصلة لهياكل الحوكمة المحلية. فمن الضروري إعادة النظر في النظام الانتخابي للاستغناء عن نظام الأكثرية الذي يؤدّي غالبًا إلى تمثيلٍ غير متناسب ويهمّش الأحزاب الصغيرة والأقليات، وذلك في سبيل تحقيق تمثيل أكثر إنصافًا. ومن شأن التدابير التي تضمن التكافؤ بين الجنسين والشمول أن تُعزِّز المشاركة المجتمعية وتمنع الاحتكار القائم على التوريث العائلي والعشائري وتضمن إيصال أصوات شرائح المجتمع كافة في الحوكمة المحلية. ومن شأن تعزيز المجالس البلدية، التي تُمثّل النموذج الأوّلي للسلطات المحلية، أن يزيد قدرتها على معالجة القضايا المحلية بصورة فعّالة ومستقلة. فضلًا عن ذلك، يمكن للإصلاحات أن تُساهِم في تحفيز الشباب وتثقيفهم حول أهمية المشاركة في العملية الديمقراطية، الأمر الذي يشجّع بروز الحلول المبتكرة ويُعطي للمشهد السياسي طابعًا ديناميًا. بشكلٍ عام، تهدف هذه الإصلاحات إلى معالجة المشكلات القديمة في الحوكمة المحلية، وتعزيز التمثيل الديمقراطي، وضمان تجهيز المجالس البلدية بشكل أفضل لخدمة مجتمعاتها بفعالية.

     

    مع ذلك، من المهم اتّباع نهج شامل للإصلاح. وينبغي أن تكون عملية إعادة هيكلة الإطار القانوني للانتخابات البلدية جزءًا من استراتيجية أوسع تشمل اللامركزية الإدارية والتنظيم الإداري للبلد ككلّ. ونظرًا إلى صغر حجم لبنان، وعدد سكّانه، والأزمات الاقتصادية والسياسية الحالية، من الصعب ضمان أفضل الممارسات الانتخابية الديمقراطية مع وجود هذا العدد المرتفع من المرشحين. ولا بدّ من اعتماد نهج إصلاحي شامل ومدروس لضمان التمثيل السياسي السليم. ويعني ذلك دمج الإصلاحات الانتخابية مع التغييرات الإدارية الأوسع نطاقًا لخلق نظام حوكمة أكثر كفاءة وفعالية. بهذه الطريقة، يمكننا تجنّب الإصلاحات غير العملية أو الباطلة وإرساء بيئة سياسية تعكس بالفعل احتياجات الشعب وتطلّعاته. سنتناول هذه المسألة بمزيدٍ من التفاصيل في الإصدار التالي من مرصد الإصلاح حول اللامركزية الإدارية.

     

     

    المراجع:

    1. عصام قيسي، "تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان، مجدّدًا"، ديوان، مدونة من برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومركز مالكولم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 24 نيسان/أبريل 2024، تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان، مجدّدًا - مركز مالكولم كير-كارنيغي للشرق الأوسط (carnegieendowment.org)
    2. كرم كرم، "الانتخابات البلدية اللبنانية في موعدها، لكن الإصلاح تأخر"، تحليل صدى الشرق الأوسط، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، https://carnegieendowment.org/sada/40704 
    3. لينا فخر الدين، "تطيير الانتخابات البلديّة «واجب» لا يحرج أحدًا"، جريدة الأخبار، https://al-akhbar.com/Politics/378908 
    4. http://www.interior.gov.lb/oldmoim/moim/PDF/Municipal_Act_Eng.pdf 
    5. مايكل يونغ، «سعد الحريري أعلن انسحابه من السياسة»، 24 كانون الثاني/يناير 2022، https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2022/01/saad-al-hariri-has-announced-his-withdrawal-from-politics?lang=en&center=middle-eas t
    6. جنى الدهيبي، 1059 بلدية و3018 مختارًا... ما الذي يعيق إجراء الانتخابات البلدية في لبنان؟ 10 نيسان/أبريل 2023، https://shorturl.at/DTYGd 
    7. القانون الانتخابي 44/2017، https://aceproject.org/ero-en/regions/mideast/LB/lebanon-law-no.44-parliamentary-elections-2017/view 
    8. القانون الانتخابي 25/2008، https://aceproject.org/ero-en/regions/mideast/LB/parliamentary-elections-law-no.-25/view 
    9. FINAL-Guidebook-on-municipal-elections-june-2023-UNDP-ENGLISH-w-cover.pdf (nahnoo.org)
    10. زياد أبو ريش، السياسة البلدية في لبنان، 280، خريف 2016، مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط، https://merip.org/2016/10/municipal-politics-in-lebanon/ 
    11. تعديل قانون البلديات – مشروع قانون قدمه النائب سامي الجميل، https://shorturl.at/2Hzo5 
    12. مراجعة مع المحامية لارا سعادة، رئيسة جهاز التشريع والسياسات العامة في حزب الكتائب
    13. وسام اللحام، بدء الحديث عن المناصفة الجندرية في المجالس البلدية: مساعٍ لإصلاح انتخابات مُرجأة، 26 نيسان/أبريل 2023، المفكرة القانونية، https://shorturl.at/HmwvB 
    14. زينة س. الحلو، استعراض وضع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، مرصد الإصلاح، 22 أيّار/مايو 2024، المركز اللبناني للدراسات، https://www.lcps-lebanon.org/ar/articles/details/4879/reform-monitor-%7C-status-review-of-disability-rights-in-lebanon   

     

    زينة الحلو باحثة ومستشارة في شؤون التنمية، لديها خبرة تزيد عن 20 عامًا في مجال بحوث السياسات والتنمية، بما في ذلك الانتخابات والقضايا الاجتماعية والاقتصاد السياسي والتنمية المحلّية  .
اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية