-
شؤون اجتماعيةسبتمبر 26، 2024
تقييم امتثال الوزارات اللبنانية لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات
في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام، محوره الإنسان، من انفجار مرفأ بيروت، وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويندرج المرصد في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.
ما هي المسألة المطروحة؟
يُمثّل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017، الذي أقرّه البرلمان اللبناني في 10 شباط/فبراير 2017، إنجازًا مهمًا في المسار نحو الشفافية والمساءلة. لم يُبصر هذا الإصلاح التشريعي النور إلّا بعد ثماني سنوات من تصديق لبنان على اتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد وتقديم المسودّة الأولية للقانون إلى البرلمان في عام 2009. ويُعتبر قانون الحق في الوصول إلى المعلومات أوّل صك قانوني شامل يُلزِم الإدارات الحكومية اللبنانية بالكشف عن معلومات محدّدة مرتبطة بأنشطتها بصورة استباقية، إلى جانب الاستجابة لأي طلب من الجمهور للوصول إلى المعلومات.
ونتيجةً لجهود المناصرة المستمرّة، صدر مرسوم تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 6940/2020 في 8 أيلول/سبتمبر 2020، فوضعَ حدًا لعدم امتثال بعض الهيئات التي غالبًا ما تتذرّع بعدم وجود هذا المرسوم التطبيقي لتبرير عدم التزامها بأحكام القانون. وفي تموز/يوليو 2021، تمّ تعديل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات بموجب القانون رقم 233/2021، ما جعل الوصول إلى المعلومات أسرع، وأكثر شمولًا، وأقل صعوبةً.
ولكنْ، منذ صدور القانون وتعديلاته ومرسومه التطبيقي، تباينت مستويات الامتثال بين الإدارات المُلزمَة. وبينما يضع قانون الحق في الوصول إلى المعلومات أُسُسًا قانونية للشفافية والمساءلة، لا يمكن تحقيق هدفه إلّا إذا طبّقتْ الهيئات الحكومية المعنيّة أحكام القانون بشكل صحيح. ولمعالجة هذه المسألة، وضعت "منظّمة الشفافية الدولية – لبنان" مؤشّرَ الحق في الوصول إلى المعلومات الذي يراقب المؤسسات العامة ويصنّفها على أساس أدائها في النشر الاستباقي للمعلومات.
النشر حُكمًا (أو الإفصاح الاستباقي)
يعني مبدأ "النشر حُكمًا أو الإفصاح الاستباقي" إلزام المؤسسات العامة بتقديم المعلومات للمواطنين من دون الحاجة إلى طلبات رسمية وبطريقةٍ سهلة وسريعة. يتطلّب الالتزام بالإفصاح من الهيئات العامة أن تُفصِح بشكل استباقي عن المعلومات وأن تقوم بتحديث تلك المعلومات أيضًا. وتؤدّي هذه الشفافية إلى زيادة الثقة في المؤسّسات العامة.
بموجب الفصل الثاني من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، يجب على الهيئات العامة أن تنشر القرارات والتعليمات والتعاميم والمعاملات المالية (التي تتجاوز قيمتها 50 مليون ليرة لبنانية) والتقارير السنوية التي تغطي الحسابات المدقّقة. أمّا مهلة الإفصاح فتمتدّ لغاية 15 يومًا للوثائق التنظيمية، وشهر واحد للمعاملات المالية، وبحلول 31 كانون الثاني/يناير من العام التالي للتقارير السنوية.
القانون يسري على مجموعة واسعة من الهيئات العامة والخاصة التي تخدم الشأن العام، بما في ذلك الوزارات والمؤسّسات العامة والهيئات الإدارية المستقلّة والمحاكم والبلديّات والاتّحادات البلدية والشركات الخاصة التي تدير الخدمات العامة أو الأصول العامة وشركات الملكية المشتركة ومؤسّسات المصالح العامة والهيئات التنظيمية للقطاعات.
ويُعَدُّ الإفصاح الاستباقي ضروريًّا للحفاظ على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، خصوصًا الحق في حرية التعبير. في الواقع، يُعترف بالحق في الوصول إلى المعلومات كركيزة من ركائز حرية التعبير بموجب المادة 19 من كلٍّ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذين صادق عليهما لبنان. وقد ذُكِرَ هذا الحق ضمن مصطلح "الحقّ في التماس المعلومات وتلقّيها". وتؤكّد اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة في التعليق العام رقم 34 على المادة 19 على أنّه يتعيّن على الحكومات "أن تتيح للعموم بصورة استباقية معلومات حكومية ذات أهمية عامة" وأن تضمن الحصول على هذه المعلومات "بطريقة سهلة وفورية وفعّالة وعملية".
نشر المعلومات
ينصّ الفصل الثاني من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، المُعَنوَن "موجب النشر حُكمًا"، وتحديدًا في المادة 9، على التزام غير مباشر بأن يكون لدى كافة الإدارات موقع إلكتروني تنشر من خلاله جميع الوثائق المطلوب نشرها لتكون متاحة للجمهور. وللامتثال لموجبات النشر حُكمًا، يتعيّن على كافة المؤسسات إنشاء منصّات إلكترونية، وتقديم المستندات بصورة مناسبة، وتعيين مسؤول عن المعلومات. وبموجب التعديل رقم 233/2021، أصبحت الهيئات العامة مُلزَمة بنشر المعلومات بطريقةٍ تسمح بالبحث عن الوثيقة المطلوبة، وتحميلها، ونسخها، والبحث في محتواها.
أداء الوزارات
بناءً على مؤشر الحق في الوصول إلى المعلومات الذي طورته "منظّمة الشفافية الدولية – لبنان"، جرى تقييم ستة مواقع إلكترونية لوزارات لبنانية في بداية شهر حزيران/يونيو 2024. وتمّ اختيار هذه الوزارات نظرًا لأهميّتها الأساسية بالنسبة إلى الشؤون المعيشية للمواطنين ودورها الرئيسي في تعزيز الإصلاحات. الوزارات التي تمّ تقييمها هي التالية: وزارة الصحّة العامة، وزارة الاقتصاد والتجارة، وزارة الاتّصالات، وزارة الطاقة والمياه، وزارة البيئة، ووزارة الشؤون الاجتماعية.
يقيّم المؤشر أداء هذه الوزارات لناحية النشر الاستباقي للمعلومات وفقًا لست فئات، وتشمل: نشر المعلومات بصيغةٍ يسهل الوصول إليها والاطلاع عليها، الإفصاح الاستباقي عن الوثائق الرئيسية، القدرة على تقديم طلبات الحصول على المعلومات إلكترونيًا، وتفاصيل حول مسؤولي المعلومات المُعيَّنين. تستطيع كل وزارة أن تسجّل نقطتين كحد أقصى في كل فئة، بمجموع 12 نقطة للمؤشّر. تُعطى العلامة القصوى (2) عندما تكون المعلومات متاحة بالكامل على الموقع الإلكتروني للوزارة، ما يشير إلى "الامتثال الكامل" لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات. أما العلامة 1 فتُشير إلى "الامتثال الجزئي" بسبب المعلومات غير المكتملة، بينما تُشير النتيجة 0 إلى "عدم الامتثال"، أي عندما لا تتوفّر أي معلومات. واستنادًا إلى معايير التقييم هذه، حصلت الوزارات الست على النتائج المُبيَّنة في الجدول أدناه:
يمكن أن يعزى التفاوت في هذه المعدلات إلى عدّة عوامل. تفتقر بعض الوزارات، مثل وزارة الاتّصالات، إلى موقع إلكتروني رسمي للكشف عن المعلومات العامة بصورة استباقية، في حين أنّ المواقع الإلكترونية لدى بعض الوزارات الأخرى، مثل وزارة الطاقة والمياه، كانت لا تعمل عند إجراء تقييم "منظّمة الشفافية الدولية – لبنان". تنشر بعض الوزارات، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحّة العامة ووزارة البيئة، الوثائق الرئيسية بشكلٍ جزئي، لكنّ الوزارتين الأخيرتين فقط تُتيحان هذه المستندات بنماذج قابلة للبحث والنسخ والتحميل. بالإضافة إلى ذلك، هناك وزارات قليلة، مثل وزارة الاقتصاد والتجارة، تسمح بتقديم طلبات الوصول إلى المعلومات إلكترونيًا وتعرض بيانات الاتّصال بمسؤول المعلومات لديها.
تحدّيات التنفيذ
بصرْف النظر عن الطابع الإصلاحي الذي يتّخذه قانون الحق في الوصول إلى المعلومات على الورق، ستبقى الشفافية داخل المؤسّسات العامة استثناءً وليست القاعدة السائدة في ظلّ غياب التنفيذ الكامل. هناك عوائق كثيرة تمنع التنفيذ الفعّال للقانون، بما في ذلك ضعف الهيئات الحكومية غير المجهّزة تجهيزًا كافيًا، عدم كفاية الموارد المالية والتكنولوجية، رداءة البُنية التحتية لإدارة البيانات ورقمنتها، والافتقار إلى الوعي العام بأهمّية الوصول إلى المعلومات.
ولكنْ، يبدو أنّ التحدّي الأكثر إلحاحًا يتمثّل في امتناع الحكومة اللبنانية عن إعطاء الأولوية لتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات. ففي 13 تموز/يوليو 2020، اعتمدت اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد الخطة الوطنية لتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، التي تهدف إلى معالجة الثغرات التي تَحول دون إنفاذه وتطبيقه. وتتألّف الخطّة من عشر خطوات تركز على تطوير مؤسّسات عامة فعّالة وشفافة وخاضعة للمساءلة، مع إطار زمني مدّته عامان للتنفيذ الكامل.
بعد مرور أربع سنوات، لم يُنفَّذ جزءٌ كبيرٌ من الخطّة بعد، وهو أمرٌ مُقلِق فعلًا في ضوء الحاجة الملحّة إلى الإصلاحات المنهجية. يبدو من غير المُثمِر أن تترك الحكومة تنفيذ هذا القانون معلقًا، خصوصًا بعد طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، الذي أوضح أن الإصلاحات الهيكلية وتدابير مكافحة الفساد - مثل عمليات التدقيق الشاملة للمؤسسات الرئيسية كالمصرف المركزي - ضرورية وأساسية لتحقيق التعافي الاقتصادي.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أُنشئَت بموجب القانون رقم 175/2020، أصبحت تعمل بشكلٍ كامل في كانون الثاني/يناير 2022 مع تعيين أعضائها الستة. ولقد بذلت الهيئة جهودًا كبيرة لتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك إصدار قرارات في 6 آذار/مارس و30 أيّار/مايو، في أعقاب شكاوى "منظّمة الشفافية الدولية – لبنان"، لإلزام وزارة الأشغال العامة وشركة “CMA” في بيروت، وهي شركة تابعة لشركة الشحن الفرنسية "CMA CGM"، بالكشف عن العقد الممنوح لإدارة محطة حاويات مرفأ بيروت. امتثلت الشركة، لكنَّ الوزارة لم تستجِب بعد على الرغم من إبلاغها. وهذا دليلٌ على أنّ المساءلة والشفافية تعتمدان على استعداد الإدارات العامة للالتزام بقرارات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والامتثال لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
ما أهميّة ذلك؟
في ضوء نتائج مؤشّر الحق في الوصول إلى المعلومات، قدّمت "منظّمة الشفافية الدولية – لبنان" مجموعةً من التوصيات لضمان تطبيق الوزارات اللبنانية لهذا القانون تطبيقًا كاملًا، وتجاوُز العقبات التقنية القائمة حاليًا. تشمل هذه التوصيات إعداد التقارير السنوية ونشرها، الإفصاح عن القرارات الرئيسية والمعاملات المالية التي تتجاوز قيمتها 50 مليون ليرة لبنانية في الوقت المناسب، إتاحة إمكانية تقديم طلبات الوصول إلى المعلومات إلكترونيًا، تعيين مسؤولين عن المعلومات، ونشر بيانات الاتّصال بهم. بالإضافة إلى ذلك، في حال تعطّل تشغيل المواقع الإلكترونية، يمكن للوزارات استخدام منصّات التواصل الاجتماعي كبديلٍ لنشر المعلومات المهمّة.
ختامًا، من المؤكّد أنَّ تعزيز الشفافية داخل المؤسّسات العامة يمكن أن يؤدي دورًا أساسيًا في إعادة بناء الثقة المتصدّعة بين الدولة اللبنانية ومواطنيها. وفي سياق الأزمات المستمرّة في لبنان، حيث وصلت ثقة الناس في الحكومة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، فإنّ الشفافية ليست مرغوبة فحسب، إنّما باتت ضرورية. فجذور الأزمة الحالية قد تكون مرتبطة بالافتقار المنهجي إلى الشفافية والمساءلة في المؤسّسات العامة. بالتالي، من خلال معالجة هذه المسائل، تستطيع الدولة أن تخطو أولى خطواتها نحو استعادة ثقة المواطنين، تمهيدًا لمجتمعٍ أكثر استقرارًا ومرونةً.
المراجع:
شهيّب، ك. (2021). الوصول إلى المعلومات في لبنان. معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
فرانس، غ. (2022). لبنان: لمحة عامة عن الفساد ومكافحة الفساد. منظّمة الشفافية الدولية.
هيومن رايتس ووتش. (2019). لبنان: مماطلة في تنفيذ قانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد. (2020). خطّة العمل الوطنية لتنفيذ قانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
الأمم المتّحدة. (1948). الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الأمم المتّحدة. (1966). العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
الأمم المتّحدة. (2003). اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
الجريدة الرسمية. (10 شباط/فبراير 2017). قانون رقم 28: الحق في الوصول إلى المعلومات.