-
شؤون اجتماعيةديسمبر 01، 2023
مرصد الإصلاح : الوصول إلى المعلومات في لبنان: القانون وتنفيذه
- كريستل بركات، كلارا ديبه
في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام، محوره الإنسان، من انفجار مرفأ بيروت، وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان - لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويندرج المرصد في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. في نهاية كانون الأوّل 2022، تمت مراجعة الإطار العام من أجل التقييم والتكيّف بناءً على اختتام المرحلة الأولى، ويتمّ الآن العمل على إجراء التحديثات المتوقعة. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.
ما هي المسألة المطروحة؟
يأتي موضوع الوصول إلى المعلومات في طليعة جدول أعمال المجتمع المدني اللبناني منذ بداية الألفية. في العام 2001، بدأ مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية صياغة قانون في هذا الصدد. وتجدّدت المطالبات في العام 2005 باعتماد مثل هذا القانون، وخصوصًا من جانب الناشطين والمنظّمات في مجال مكافحة الفساد. وبعد أن صادق لبنان على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في العام 2009، ازدادت الضغوط لإقرار قانون يكفل الحقّ في الوصول إلى المعلومات.
غير أنّ البرلمان اللبناني لم يقرّ قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات قبل العام 2017. ويُعتبَر هذا القانون مُلزِمًا للإدارات العامة، إذ يفرض عليها نشر غالبية وثائقها، بما في ذلك موازناتها وقراراتها والمستندات التي تتضمن تفاصيل أنشطتها. يسمح القانون لأيّ فرد بالتقدّم بطلب للاطلاع على المستندات من الدوائر الرسمية أو المؤسسات العامة أو الهيئات الخاصّة، إما عبر الإنترنت أو من خلال موظّف المعلومات الذي يُعيَّن في كلٍّ من هذه الإدارات. وكانت هذه الخطوة لتكون إيجابيّة وواعدة لتعزيز الشفافية والمساءلة، إلّا أنّ القانون اصطدمَ بتحدّياتٍ عدّة جعلت عمليّة الوصول إلى المعلومات شاقّة وبيروقراطيّة وبطيئة وغير فعّالة.
والواقع أنّ التصنيف العالمي حول الحقّ في الحصول على المعلومات (Global Right to Information Rating) وصفَ القانون اللبناني بأنّه "ضعيف نسبيًا بشكلٍ عام"، ويُعزى السبب الرئيسي إلى "محدودية الالتزامات بمساعدة طالبي [المعلومات]، وعدم الإلزام بإحالة الطلبات التي تصل إلى السلطة العامة الخطأ أو الاستجابة في أسرع وقت ممكن للطلبات، إضافةً إلى فرض قيود صارمة على إعادة استخدام المعلومات المطلوبة" (التصنيف العالمي حول الحقّ في الحصول على المعلومات، 2017).
في العام 2020، اعتمدت اللّجنة الوزارية لمكافحة الفساد خطّة عمل وطنيّة لمعالجة هذه المسائل وتسهيل تنفيذ القانون. وصدر القانون رقم 233 في العام 2021، وهو تعديل لقانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات لعام 2017، إثر الضغط الذي مارسته منظّمات المجتمع المدني المحلّية. وكان أحد التعديلات الأساسيّة متعلّقًا بالمادّة 1 التي لم تعد تفرض على طالبي المعلومات تحديد صفتهم أو منصبهم الرسمي ومصلحتهم في طلب المعلومات أو وجهة استعمالها، ما يساهم في تسريع عملية الوصول إلى المعلومات.
وأُضيفَ تعديلٌ آخر يسمح بإدراج المحاكم الدينية التي لم يذكرها القانون من قَبل. وبرزَ تغييرٌ ثالثٌ لا يقلّ أهميةً، وهو عدم إفساح المجال أمام الجهات العامة لترفض الاستجابة للطلبات الواردة بحجّة نقص المعلومات، لا سيّما إذا كان الطلب يقع ضمن نطاق عمل مؤسّسة محددة. إضافةً إلى ذلك، لا يجوز للمؤسّسات التي تتلقّى طلب الوصول إلى المعلومات إحالته إلى جهات أو مؤسّسات أخرى؛ بل هي مُلزَمة بالاستجابة للطلب. ويمكن لمقدّمي الطلبات أيضًا الحصول على المعلومات التي يطلبونها مجانًا وبصيغةٍ إلكترونية. وأُضيف تعديل آخر مهمّ لناحية الإجراءات القانونية المرتبطة بالوصول إلى المعلومات، حيث لم يعد الأفراد ملزمين بتكليف محامين لطلب الوصول إلى المعلومات، ما يجعل العمليّة أقلّ تكلفةً على الأفراد.[1]
يشير تقرير منظّمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، المعنوَن "مؤشّر الالتزام بقانون الحق في الوصول إلى المعلومات" (Access to Information Index)، إلى ضعف الأداء في عدّة وزارات وفقًا لنوع المعلومات التي تقدّمها ومدى توافرها على الموقع الالكتروني لكلٍّ منها. يُقيّم المؤشر أداء هذه الوزارات وفقًا لستّ فئات. فيمكن أن تسجّل الوزارات نقطتَين على الأكثر في كلّ فئة، ليصبح المجموع 12 نقطة. فإذا حصلت الوزارة على نقطتَين في فئة معيّنة، هذا يعني أنّ الوزارة "ملتزمة تمامًا" بتلك الفئة. وإذا سجّلت نقطة واحدة في فئةٍ أخرى، فهذا يعني أنّها "ملتزمة جزئيًا" بها، في حين أنّ صفر نقاط يعني أنّها "غير ملتزمة إطلاقًا". يُظهِر الجدول الوارد أدناه درجات "مؤشر الالتزام بقانون الحق في الوصول إلى المعلومات" لتسع وزارات لبنانية.
[1] يُظهِر جدول المقارنة بين القانونَين (ص. 78-81) في النسخة العربية من "دليل الإدارات في تطبيق قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات" (2021)، الصادر عن مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، جميع التعديلات بين قانون الحق في الوصول إلى المعلومات لعام 2017 ونسخته المنقّحة الصادرة في 2021.
وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الالتزام بالقانون، لم يتمّ تنفيذه بشكلٍ كاملٍ بعد. ولا تزال التحديات قائمة اليوم على الرغم من التعديلات التي أُجرِيَت على القانون في العام 2021. يهدف هذا العدد من المرصد إلى تسليط الضوء على العوائق التي تعترض التطبيق الكامل لقانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات. ويؤكّد على أهمّية هذا القانون لتحقيق التعافي والإصلاح وإعادة الإعمار بشكلٍ شفاف وخاضع للمساءلة. وترتبط هذه الآليّات بالإصلاحات الهيكلية التي يطلبها المجتمع الدولي لتقديم المساعدة الاقتصادية للبنان.
التحديات المرتبطة بقانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات وتنفيذه
تُمثِّل التحديات التالية عقبات أساسيّة تُعيق التنفيذ الكامل لقانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات في لبنان.
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسلطة القضائية
تؤدي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (التي أُنشئت عام 2020) والسلطة القضائية دورًا أساسيًا في تنفيذ قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات والإشراف على تطبيقه. وتتولّى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مهمّة تلقّي شكاوى عدم الامتثال للقانون والتحقيق فيها. أمّا السلطة القضائيّة فتُكمِّل عمل الهيئة من خلال البتّ في قضايا عدم الامتثال للقانون. ويجب تمكين كلّ من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسلطة القضائية للقيام بأدوارهما، لا سيّما في سياق الأزمات المتداخلة التي أثّرت على قدراتهما البشريّة والمالية. ولا بد من الحفاظ على استقلاليتهما لتصبح الشفافية هي القاعدة وليس الاستثناء.
تنفيذ القانون على المستويَيْن المحلي والبلدي
على المستويَيْن المحلي والبلدي، وتحديدًا في المناطق النائية أو المحرومة، قد لا تتوفر القدرات البشرية أو المالية لتنفيذ أحكام القانون. ويبرز هذا العائق في جميع مستويات الإدارات العامة، ولكنّه يتجلّى بشكلٍ أكبر في البلديّات. على سبيل المثال، قد يفتقر موظّفو البلديات إلى المعرفة التقنية لناحية نشر المستندات عبر الإنترنت، أو قد لا يملكون الموارد المناسبة، مثل الخوادم الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر. وتتفاقم هذه التحديات بسبب التمويل المحدود أو المخفّض، فضلاً عن عدم توفّر الكهرباء وارتفاع تكاليف المحروقات لتشغيل المولّدات والخوادم، وانعدام الثقة العامّة، حتى أنَّ بعض المؤسّسات لا تملك موقعًا إلكترونيًا.
الاستجابة للطلبات بصورةٍ (غير) آنيّة
تُمنَح المؤسّسات العامة فترة 15 يومًا للردّ على طلبات الوصول إلى المعلومات. وغالبًا ما لا تُحترَم هذه المهلة، ربّما بسبب الأزمة المستمرة والإضرابات وعدم وجود موظّف متفرّغ للتعامل مع هذه الطلبات في الكثير من المكاتب. في العام 2022، أرسلت مبادرة "غربال" طلبات للحصول على المعلومات إلى 204 مكاتب عامة. استجابَ 108 مكاتب فقط للطلب، حيث استجاب 28 منهم بشكل مناسب وكامل، فيما أعطى 80 مكتبًا إجابات ناقصة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية والبرلمان اللبناني، وهما المؤسّستان الرئيسيتان اللّتان عملتا على صياغة القانون وإقراره، لم يلتزما بشكلٍ كامل. فلم يفصح مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية سوى عن معلومات تعود لـ 10 سنوات من أصل 20 سنة، في حين لم يستجب البرلمان اللبناني لطلبات الوصول إلى المعلومات. وفي العام 2018، ذكرت وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد غياب الميزانية كسببٍ لتبرير عدم قدرتها على تقديم وثائق غير سرّية (المصري، 2019).
الإقرار باستلام الطلب
ترفض بعض المكاتب تزويد طالب المعلومات بإقرارٍ يؤكد استلامها للطلب، وعادةً ما يكون رقمًا من سجل تلك المؤسّسة. يُشكّل ذلك جزءًا أساسيًّا من العملية، إذ يسمح لمقدّم الطلب برفع شكوى لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أو مجلس شورى الدولة في حال عدم الامتثال. ومن دون رقم التسجيل، لا يملك مقدّم الطلب دليلاً قانونيًا يُثبت بموجبه أنَّه تَقدَّمَ بطلبٍ للحصول على المعلومات.
الافتقار إلى السجلّات الرقمية
يحتفظ عدد كبير من المكاتب الحكومية، وخاصّةً على المستوى المحلي، بسجلّات ورقية، ولم تعمد بعد إلى مكننة عمليّاتها. ويُشكّل ذلك تحدّيًا كبيرًا لأنّه يؤدّي إلى تأخير الردّ على طلبات الوصول إلى المعلومات ويُثقل كاهل المؤسّسات التي تعاني أساسًا من نقصٍ في الموظفين. وتتفاقم المشكلة في ظلّ نقص الموارد البشرية والمالية والتقنية والفنية اللازمة لرقمنة السجلّات.
قلّة وعي المواطنين
لا يدرك أغلب اللبنانيين أهمية المعلومات وحق الوصول إليها. وتُساهم عوامل اللّامبالاة أو اليأس أو غياب التربية المدنية في تفاقم هذا الأمر (المصري، 2019). إضافةً إلى ذلك، أدّت مستويات التوعية المحدودة إلى تزايد الأمور سوءًا. وفي بعض الحالات، حتى الموظّفين الرسميّين نفسهم لم يكونوا على دراية بواجباتهم المنصوص عليها في القانون (شهيّب، 2021).
ما أهميّة ذلك؟
يجب تعزيز تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات لعدة أسباب. أولاً، إذا تمّ تنفيذ هذا القانون على نحوٍ صحيح، من شأنه أن يؤثّر بشكلٍ جذري وإيجابي على مستوى معرفة منظّمات المجتمع المدني والأفراد حول عمل مؤسّسات الدولة. ثانيًا، وبالإضافة إلى تعزيز الشفافية، يمكن أن يزيد هذا القانون من نسبة المساءلة ويساعد في مكافحة الفساد. ثالثًا، يسمح ذلك ببناء السياسات العامّة القائمة على الأدلّة والأرقام، ويضمن المراقبة والتقييم السليمَيْن.
كذلك، يرتبط الحق في الوصول إلى المعلومات بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتّحدة، اللّذين صادق عليهما لبنان أيضًا. ووفقًا للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يندرج الحق في الوصول إلى المعلومات ضمن الحق في التمتّع بحرية الرأي والتعبير، الذي يشمل "استقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيّد بالحدود الجغرافية". ويرتبط أيضًا بالحق في الحصول على المعلومات الذي يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يفرض على الحكومات الإفصاح عن المعلومات المتعلّقة بالمصلحة العامة بشكلٍ استباقي.
ختامًا، يمكن أن تساعد زيادة الشفافية في تحسين مستوى الثقة بين الدولة اللبنانية ومواطنيها. ويكسب هذا الأمر أهميّةً خاصة، لا سيّما في ظلّ تراجُع الثقة العامة جرّاء الأزمات المتزامنة والمتداخلة التي أثّرت على الاقتصاد والقطاع المصرفي، وعطّلت عمل المؤسّسات العامة إلى حدٍّ كبير.
المراجع
المصري، اياد (2019، 13 أيار). "الوصول إلى المعلومات: حقوق المواطن اللبناني المطّلع ومسؤولياته" (Access to Information: The Rights and Responsibilities of Being an Informed Lebanese Citizen). بيروت توداي.[O1]
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. (1948) الأمم المتحدة
كريستل بركاتباحثة في المركز اللبناني للدراسات. تخرّجت مؤخرًّا من برنامج فولبرايت للطلبة الأجانب في لبنان من جامعة نورث كارولينا في غرينسبورو، وهي حائزة على درجة ماجستير في دراسات السلام والنزاعات بتركيزٍ خاصّ على تنمية السلام الدولي. نالت إجازتها في العلوم السياسية والشؤون الدولية بدرجة امتياز عالية من الجامعة اللبنانية الأمريكية. وتشمل مجالات اهتمامها تحليل النزاعات وحلها ونزع السلاح، والعولمة، ودراسات الهجرة واللاجئين، ودراسات المرأة والنوع الاجتماعي.
كلارا ديبهكاتبة وطالبة وناشطة لبنانية تسعى حاليًا للحصول على الماجستير في دراسات العولمة والتنمية في جامعة ماستريخت.