• شؤون اجتماعية
    يوليو 24، 2024

    اللاجئون السوريون في لبنان: تحديات قانونية للبلديات

    • كارلوس نفّاع

    في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام من انفجار مرفأ بيروت، يكون محوره ووجهته الإنسان وكرامة عيشه. وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات الجمعية والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ويندرج نشره في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.

     

    القضية المطروحة

    بحسب التقديرات، يمثّل اللاجئين السوريين في لبنان ما بين 25 و30% من إجمالي عدد السكّان البالغ 7 ملايين (BBC) ، أي ما يناهز مليونين شخص تقريبًا من مختلف الأعمار (UNHCR). يعيش معظمهم في شقق سكنية تتوزع على كل البلدات و المدن اللبنانية ، بالاضافة لبعض المخيمات العشوائية في البقاع و عكار التي تأوي ما يقارب 300 الف في اكثر من ستة الاف خيمة (Medair).  

    شكل ارتفاع اعداد اللاجئين المفاجئ والتصاعدي بدأ من العام 2011 وغياب استراتيجية وطنية حكومية لإدارة هذه الأزمة ضغط كبير على البلديات وخاصة الحدودية منها ذات الموارد البشرية والمادية المحدودة اصلًا (UNHCR). اضيف الى ذلك  الضغوط التي يشهدها لبنان منذ العام 2019 بدأً من الانهيار اقتصادي والنقدي وتدهور مستوى الخدمات الصحّية والتربوية والحكومية كافة، والتشظي الاجتماعي بسبب هجرة الشباب الكثيفة والتي تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 وتفشّي جائحة كوفيد-19، والفراغ الدستوري الرأسي والحكومي وتأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثانية.

    كل هذه العوامل راكمت التحديات التي القيت على عاتق البلديات الممد لها، فكان أن كل بلدية قامت بما رأته ممكن أن يطبق و يتمهى مع مصالح البلدة أو المدينة من القوانين والأنظمة المرعية الإجراء بما يخص المقييمين الاجانب بغية تنظيم اللاجئين السوريين وضمان سلامتهم وحسن اندماجهم في النطاق البلدي، وفي بعض الاحيان تخط الكثير من هذه البلديات سلطة القانون ليصدروا قرارات شعبوية لا تحترم ادنى حقوق الانسان ومنها حق التنقل على سبيل المثال لا الحصر الذي منع في الكثير من المناطق تنقل اللاجئين السوريين بعد ساعة محددة في المساء.(UN).

    الإطار القانوني العام

    إن الإطار القانوني العام في البلديات في لبنان الذي يرعى شؤون المقيمين الأجانب تنظمه مجموعة من القوانين التي تحدد حقوق وواجبات المقيمين الأجانب، والصلاحيات الممنوحة للبلديات في هذا الصدد. واهم النقاط الرئيسية في هذا الإطار:

    الأجانب في القانون العام للبلديات:

    ينظم قانون البلديات (المرسوم الاشتراعي رقم 118/77) عمل البلديات وصلاحياتها، وهو يشمل تنظيم الخدمات العامة المحلية، بما في ذلك تلك الخاصة للمقيمين الأجانب (LU) وتلعب البلديات دوراً في تسجيل الأجانب على المستوى المحلي، وضمان تحديث سجلات السكان لديها دوريًا. وللأجانب المقيمين في نطاق بلدي محدد حق الوصول إلى الخدمات العامة البلديات، مثل جمع النفايات، المياه، الكهرباء، الصرف الصحي، والتعليم العام (في حال كان لديهم إقامة قانونية). وتختلف نوعية ومستوى هذه الخدمات المقدمة وفقًا للبلدية وقدرتها على توفيرها (  .(Nahnoo

    ويخضع الأجانب العاملون في لبنان لقوانين العمل اللبنانية التي تفرض عليهم الحصول على تصاريح عمل من وزارة العمل والتي بالتعاون مع البلديات تراقب تطبيق القوانين لضمان عدم عمل الأجانب بشكل غير قانوني.

    حقوق وواجبات الأجانب:

    الوضع القانوني لللاجئين في لبنان معقد ويختلف عن المقيمين الأجانب العاديين. لا يوجد إطار قانوني موحد وشامل على المستوى البلدي خاص باللاجئين، ولكن هناك عدة نقاط قانونية وتنظيمية مهمة تتعلق بهذا الأمر.

    فعلى الرغم من عدم وجود قانون خاص باللاجئين، يخضع اللاجئون إلى القوانين العامة المتعلقة بالأجانب، والتي تشمل قانون الدخول إلى لبنان، الإقامة والخروج منه (المرسوم رقم 319/1962)  LU)). ويعتبر الأمن العام اللبناني الجهة المسؤولة عن تسجيل اللاجئين وتنظيم إقامتهم.

    وتعمل البلديات بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية لتوفير حاجات للاجئين ضمن النطاق البلدي. فيتم تنسيق الجهود مع UNHCR، والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية لتأمين خدمات، مثل التعليم، والصحة، والسكن، والمساعدات الغذائية و تطوير البنية التحتية المحلية.

    أما لجهت المشاركة المجتمعية للاجئين فلا يحق لهم المشاركة في الانتخابات البلدية أو الاختيارية أو الترشح لأي من الوظائف البلدية. في حين أنه يمكن لهم المشاركة في الأنشطة المجتمعية المحلية ضمن الحدود القانونية والعادات والاعراف الاجتماعية المتبعة. (Al Nahar)

    الإجراءات البلدية

    لكن ومع غياب استراتيجية وطنية لإدارة الأزمات التي يواجهها لبنان والناتجة عن الحرب السورية ، انفردت البلديات كل على حدًا أو ضمن اتحادات البلدية باتخاذ إجراءات خاصة، عديدة ومتنوعة، تستهدف االمقييمين من اللاجئين السوريين وتؤمن الحد الادنى من احتياجاتهم ومصالح المنطقة المضيفة، فمنها ما يندرج تحت مفاعيل المذكرات الادارية التوجيهية الصادرة عن وزارة الداخلية والبلديات (الداخلية)، ومنها ما هو ناتج عن ردات فعل المجلس البلدي ويعكس مصالح صانعي القرار المنتخبين في المجلس البلدي والبعض منه شعبوية وعنصرية (hrw).

    تشمل هذه الإجراءات:

    • تسجيل الإقامة: بحيث يُطلب من اللاجئين تسجيل مكان إقامتهم لدى البلدية المحلية. وهذا يساعد السلطات على تتبع السكان والتخطيط للخدمات الضرورية.
    • تسجيل الهوية الشخصية: غالباً ما تقوم البلديات بتسجيل البيانات الشخصية للاجئين السوريين، بما في ذلك الأسماء وتواريخ الميلاد وأفراد الأسرة وغيرها من المعلومات ذات الصلة. ويربط هذا التسجيل للحصول على الخدمات والمساعدات بحيث تقدمه البلديات للجم.
    • تسجيل العمل: في بعض المناطق، يطلب من اللاجئون السوريون الذين يعملون إلى التسجيل لدى البلدية.
    • التسجيل في الخدمات الصحية والاجتماعية: من أجل الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، قد يحتاج اللاجئون إلى التسجيل لدى المراكز الصحية المحلية أو مكاتب الخدمات الاجتماعية التي تديرها أو تنسق شؤونها البلدية مع الجمعيات الانسانية.

    قد تشمل الوثائق المطلوبة من اللاجئين للتسجيل على مستوى البلدية ما يلي: وثائق تعريف شخصية مثل شهادة تسجيل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) وبطاقة الهوية الشخصية (جوازات السفر أو بطاقات الهوية الوطنية). إثبات الإقامة مثل نسخة من عقد الإيجار. المستندات المتعلقة بالعمل مثل اجازة عمل سارية المفعول ونسخة من عقد العمل أو افادة عمل. السجلات الصحية والتطعيمات التي توضح أي حالات طبية أو علاجات أو تطعيمات تم تلقيها.

    أهمية التسجيل والتوثي

    التسجيل والتوثيق هما عمليات أساسية لضمان حصول اللاجئين على الخدمات الأساسية والحقوق القانونية، وتعزيز سلامتهم وأمنهم. هذه العمليات تتجلى أهميتها من خلال القرارات والممارسات الأخيرة، والتي تسلط الضوء على الفوائد العملية للتسجيل والتوثيق للاجئين:

    • الحصول على الخدمات الأساسية: بفضل التسجيل، يمكن للاجئين الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والمساعدة الاجتماعية الضرورية. المبادرات الحديثة أثبتت أن التسجيل يسهل الاستفادة من الدعم الذي تقدمه المنظمات الحكومية وغير الحكومية، مما يسهم في تحسين ظروف حياتهم في المجتمعات المضيفة. على سبيل المثال، قرار وزارة الصحة الأخير بتخصيص موارد إضافية للمراكز الصحية في مناطق تواجد اللاجئين كان له أثر كبير في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة.
    • تحديد الوضع القانوني: تساعد الوثائق في تحديد الوضع القانوني للاجئين، مما يوفر لهم الحماية من الاحتجاز التعسفي والترحيل. القرارات القضائية الحديثة التي أكدت على ضرورة احترام حقوق اللاجئين القانونية، تعتبر خطوة أساسية لضمان استقرارهم وحمايتهم.
    • جمع البيانات وتخصيص الموارد: التسجيل يتيح للسلطات جمع بيانات دقيقة حول أعداد اللاجئين واحتياجاتهم، مما يسهم في تخطيط وتخصيص الموارد بشكل فعال. المبادرات الحكومية الأخيرة لتحسين نظم إدارة البيانات وتنسيقها مع المنظمات الدولية، أظهرت أن جمع البيانات الدقيقة يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة بشكل أفضل.
    • السلامة والأمن: التسجيل الدقيق يعزز من الأمن والنظام، حيث يمكن للسلطات تقديم خدماتها بشكل أفضل ومعالجة أي مشاكل تنشأ. البرامج الأمنية التي تم إطلاقها مؤخراً والتي تهدف إلى تحسين التنسيق بين الجهات الأمنية والبلديات، كانت لها دور فعال في تعزيز الأمن في المجتمعات المضيفة.

    بحسب أحد رؤساء البلديات الذين قابلناهم، فإن إتمام عمليات التسجيل يضمن حصول اللاجئين على الوثائق اللازمة، مما يمكن البلديات من لعب دور أكبر وأكثر حسماً في إدارة أزمة اللاجئين بشكل فعال وإنساني. فتسهل تأمين الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي، وتسهم في ضبط الموارد، وتيسر التعاون مع المنظمات غير الحكومية والدولية. كما يسهل التسجيل التنسيق بين البلديات والوزارات المعنية لمواءمة الجهود المحلية مع السياسات الوطنية المتعلقة بإدارة شؤون اللاجئين، بما في ذلك مشاركة البيانات والموارد مع الجهات الأمنية الرسمية للحفاظ على النظام ومعالجة أي اضطرابات أمنية

    تحديات الإطار القانوني

    يواجه الإطار القانوني العديد من التحديات التي تؤثر على فعالية السياسات والقرارت الخاصة لادارة شؤون اللاجئين:

    اولها عدم وجود سياسة وطنية شاملة لادارة ازمة اللاجئين تعالج احتياجاتهم وتحمي حقوقهم، مما يؤدي إلى تباين في تنفيذ القرارت ذات الصلة على المستوى البلدي المحلي. فوجد ثغرات وغموض في الإطار القانوني العام فيما يتعلق بوضع اللاجئين وحقوقهم، يؤدي إلى تطبيق غير متسق للقوانين والأنظمة. على سبيل المثال لا الحصر قيام بعض البلديات بالتهديد بالإخلاء متجاوزتًا صلاحياتها، التي تقتصر بحقها بطلب الإخلاء ً بحال تبيّن أن البناء أو جزءاً منه ينذر بالانهيار او في حال توفر ما يشار إليه قانوناً بـ “الظروف الاستثنائية”، التي تكتسب الحكومة خلالها، لأغراض الضرورة، صلاحيات تقع عادةً خارج نطاق اختصاصها القانوني. و ما قرار مجلس شورى  الدولة الصادر في 8 شباط 2018 و القاضي بإلغاء توجيهات مديرية الأمن العام لسنة 2015، باعتبار أن “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان لا تستوفي الشروط القانونية التي يمكن وصفها بـ “الظروف الاستثنائية” “، لا يمكن للسلطات العامة، وامتداداً للسلطات المحلية، التذرّع بالطابع الاستثنائي لأزمة اللجوء وتجاوز صلاحية السلطة القضائية لطلب الإخلاء دون أمر قضائي.

    يضاف الى ذلك القيود على الموارد الذي تعانيه البلديات وخاصة مع انهيار سعر صرف اليرة اللبنانية ما خفض من القيمة المادية للجبايات المباشرة، مما حد من قدرتها على تنفيذ السياسات الوطنية ان وجدت بفعالية وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين.

    ومن تدعيات هذا الضعف التشريعي انه لا يوفر الحماية الكافية للاجئين من التمييز والاستغلال، مما يجعل الكثير منهم عرضة للإساءة وسوء المعاملة.على سبيل المثال لا الحصر قيام بعض البلديات بالتهديد بالإخلاء متجاوزتًا صلاحياتها، التي تقتصر بحقها بطلب الإخلاء ً بحال تبيّن أن البناء أو جزءاً منه ينذر بالانهيار او في حال توفر ما يشار إليه قانوناً بـ “الظروف الاستثنائية”، التي تكتسب الحكومة خلالها، لأغراض الضرورة، صلاحيات تقع عادةً خارج نطاق اختصاصها القانوني. و ما قرار مجلس شورى  الدولة الصادر في 8 شباط 2018 و القاضي بإلغاء توجيهات مديرية الأمن العام لسنة 2015، باعتبار أن “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان لا تستوفي الشروط القانونية التي يمكن وصفها بـ “الظروف الاستثنائية” “، لا يمكن للسلطات العامة، وامتداداً للسلطات المحلية، التذرّع بالطابع الاستثنائي لأزمة اللجوء وتجاوز صلاحية السلطة القضائية لطلب الإخلاء دون أمر قضائي.

    من هنا تكمن اهمية ان يقوم مجلس النواب بمراجعة شاملة للقوانين البلدية ذات الصلة مثل تلك المتعلقة بضمان حقوق الاجانبب التنقل و السكن وشروط العمل و تعلم الاطفال والرعاية الصحية والامن وضمان حق المقاضات، وتطويرها لمعالجة هذه التحديات وتعزيز السياسات والإجراءات الداعمة، بحيث تتوأم مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان والتي وقعها لبنان فتمكن البلديات والسلطات التنفيذية من تحسين وضع اللاجئين وضمان حقوقهم الانسانية الأساسية

    أهمية معالجة هذه القضايا

    تُعد معالجة قضايا اللاجئين السوريين في لبنان على مستوى البلديات من الأولويات الحيوية التي تستدعي الاهتمام العاجل والتنسيق الفعّال. إن ضمان حقوق اللاجئين كافة يمثل ضرورة إنسانية، حيث تساهم التشريعات والإدارة السليمة والدعم البلدي في الحفاظ على حياتهم وكرامتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الفعالة والعادلة لقضايا اللاجئين تسهم في منع التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، مما يعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار. الإجراءات الشفافة والمتسقة التي تتخذها البلديات تبني الثقة بين اللاجئين والمجتمعات المحلية والحكومة، مما يعد ركيزة أساسية لتحقيق الحوكمة الفعالة والوئام الاجتماعي. لذا، فإن معالجة هذه القضايا على المستوى المحلي بمظلة تشريعية حديثة تعتبر خطوة أساسية نحو تحقيق استجابة شاملة ومستدامة لأزمة اللاجئين.

     

     

    كارلوس نفّاع

    أستاذ جامعي و مستشار متخصص في إدارة أزمات اللّجوء و السّياسات العامة. حائز على منحة زمالة فورد العالمية – 2020 ، وعلى جائزة وزارة الخارجية الألمانية – الوحدة الألمانية بعيون عربية- 2015. ترأس اللّجنة الإقليمية لإنتاج قاموس المصطلحات العربية لتقنيات المراقبة والتّقييم ضمن مشروع في مؤسسة أديان، و لجنة التّصنيف العربي المعياري للمهن في برنامج التّعاون الدّولي الألماني لإصلاح السّياسات وبرنامج تطوير التّبادل الأكاديمي اللبناني الألماني مع هيئة التّبادل الأكاديمي الألمانية. بالإضافة الى شهادة الدكتوراه اللبنانية في السّياسات التّربويّة، يحمل ماجستير في إدارة التّعليم الدّولي من جامعة لودفيغسبورغ-المانيا، وماجستير في العلوم السّياسية والإدارية من الجامعة اللّبنانية.


اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية